عصافير مهاجرة كثيرة تعود اليوم إلى حضن الوطن بعد رحلة طويلة مع المنافي الاختيارية والقسرية.
عاد حمدوك، كما إبراهيم البدوي، كما التعايشي وعائشة موسى، كما سيعود كثيرون محملين باثقال علمية وفيرة من المؤمل أن تعيد لنا الوطن أو ما يشبه الوطن الذي عرفناه.
وطن دمره التمكين الذي يعد واحدا من اسوا سياسات الانقاذ. يعودون ليقدموا خبراتهم بلا مقابل بعد أن أخذ منه زبانية التمكين كل شيء. استباحوه وباعوه بارخص الأثمان.
غدا يعود الذين أشعلوا بفكرهم ووعيهم منابر العلم في ادغال افريقيا وربما أوروبا وامريكا، وعرفتهم مؤتمرات التنمية ومكافحة الفقر والبؤس.
بينما كانت عقولنا تبني بلدان الآخرين، كانت معاول الجهل النشط الكيزاني تهدم كافة قلاعنا الاقتصادية، وتعكف على إطفاء كل نور وخيط ضياء لكل امل يرتجى.
ولانهم انهمكوا في الفساد وشراء الذمم وانشغلوا باقتسام الغنائم، فإنهم لم يجدوا في الأشواط الأخيرة من يقدمونه لتبوا المناصب. فما كان لهم من سبيل سوى إعادة تدوير نفايتهم البشرية.
من غرائب الأحداث أن يتجلى ذلك في النفايات التي تمددت في كل شارع بالمدينة لتقف شاهدة على عجزهم الكلي والصريح.
لقد سقط نظامهم وانزاح موسم الجفاف وهجرة الطيور بعيدا بحثا عن الحياة. وها هي عصافير الخريف تعود لتغرد فوق اشجار الوطن المخضرة من جديد.
الاشياء تعرف بالضد، وما بين الخضرة الماثلة والجفاف الذي ودعناه فرحين بادمع دامية، تتعزز القيمة الحقيقية للثورة..
ما بين خراب التمكين الذي أبعد حمادوك ورفاقه، وعمار الثورة الذي يستعيدهم، ها نحن نستبين الخيط الابيض للغد القادم يحمل لنا وللوطن بيادق الامل.