حكومتنا هذه في الغالب أنه لا يحترمها أحد. وعادتها أنها (تمرمط) من (يداخلها) من ذوي العلم والمكانة وتدجّنه وتستضعفه حتي تجعل منه أخيراً شخصاً غير محترم كذلك.. تفعل هذا ولا يرمش لها جفن.. ثم يبدأ الشخص (المُمرمط) نفسُه ممارسة عدم الاحترام من بعد ذلك ولا يرمش له جفن كذلك..
ربما يستحي هذا الشخص في البداية (ويتضٙبضٙب من سوء عمله) ولكنه يتعوّد من بعد ذلك على ممارسة عدم الاحترام نهاراً.. ثم يجاهر به ويذيعه بين الناس ثم يدعو الآخرين لممارسته ليكونوا مثله.. تفعل الحكومة هذا مع الفقهاء والعلماء والأدباء والكتاب والشعراء ومع كل من (يداخلها) بلا إستثناء.. بحيث يدخل الداخلُ محترماً ويخرج منها غير محترم!!
أيُّ احترام يتبقى لشخص حين يفعل ما لا يرضاه الضميرُ السّٙوي ولا يتقبله العقلُ الراشد ولا تقبله الفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناسٙ عليها ؟!
في أمر الدين مثلاً شاهدنا كيف (مرمطت) هذه الحكومة هيئات العلماء المتنوعة ودجّٙنتها وفيها من فيها من كان يُظٙن أنه من أهل التقوي والصلاح.. فأصبحت هذه الهيئات جاهزةً لإصدار الفتاوي المدعومة بالآيات والأحاديث لتُرضي الحكومة وتُماليها ليس إلّٙا..بحيث لم يُؤثٙر عن هذه الهيئات قط أنها شنّعت علي الحكومة صنيعها بمواطنيها في دارفور أو في جنوب كردفان أو حتي في داخل الخرطوم كما في (هبة سبتمبر) مثلاً.. كما لم يُؤثٙر عنها قط أنها أنكرت علي الحكومة إعتقال الناس وتعذيبهم ومحاربتهم في أقواتهم لا لشيء إلا لأنهم يعارضونها.. ويتجاوز آذان هذه الهيئات حتماً أن (حكومتهم) هذه تحبس الناس في زنازينها لأشهر وتلفـِّق لهم التُّهم الكاذبة، وتقدمهم إلي محاكماتٍ زائفة وتحشد لهم شهوداً زائفين أفّاكين غير محترمين ثم بالتحقيق المتطاول تثبُت براءتهم ويثبُت كذب الحكومة-كما في حالة المناضل عروة وشقيقه- ومع هذا لا تُنكر هذه الهيئات علي الحكومة سوء صنيعها هذا!! وعلي العكس من ذلك تنشط هذه الهيئات الموالية في فرعيات وصغائر الأمور والأحداث من قٙبيل إيقاف الحفلات الغنائية أو في مسائل لباس المرأة أو الاختلاط..
وفي مثل جائحة الكوليرا-المسمّاة إسهالات مائية – والتي تجتاح بلادنا الآن.. ما رأي هذه الهيئات في (غطغطة) الحكومة وإنكارها وتدليسها وتزويرها وتعاميها عن الواقع الكارثي الذي يعيشه السودانيون ويموتون جرّٙاءه موتٙ الضّٙأن في المناطق الموبوءة؟! ما رأي هذه الهيئات في تكتُّم الحكومة علي الوباء ومكابرتها في طلب العون من الجهات الصحية الدولية ذات الاختصاص والمعرفة والدراية؟! لماذا لا تقول هذه الهيئات (الموقّرة) لحكومتها إنّ الكذب حرام وإن المسلم الحق لا يكذب، وأنّ الكذابين ملعونون وأنهم مع المنافقين في الدرك الأسفلِ من النار؟! لن يفعلوا ذلك لأنّ هذا من أفعال الاحترام !!
في أمر التشريع والقوانين ومجلس النواب؟! ولماذا لا يتكلّم البرلمان؟ ولماذا لا ينهض بمسؤولياته تجاه (ناخبيه) ؟؟!!لأنّ البرلمان هناك يرأسه بروفيسور عتيق ومحترم وشديد الاحترام، كما أنّٙ السيدة بدرية نفسها هناك، وهي من أهل العلم والمعرفة والاختصاص والخبرة.. خبرة تراكمت قبل ميلاد “الإنقاذ”.. ولا أحد يعلو عليها فيها.. ولا أحد يبُزها من حيث القدرة علي تجميل الأفعال للحكّام وتقنينها، من لدن جعفر النميري وحتي عصر عمر المختار.. تخيِّط لكلِّ أحدٍ علي قدر مقاسه، العريض عريضاً والقصير قصيراً والواسع واسعاً.. تفعل هذا ولا ترمش ولا تتزحزح، (وتنهزِر) النواب وتمرمطهم وتهددهم وتمسح بهم الأرض وهم واجمون، مغلوبون علي أمرهم وخانعون.. تفعل بهم هذا وفيهم وبينهم من أهل اللحي والعمائم من فيهم !! فإذا كان هذا يحدث في داخل أروقة البرلمان المحترم وقد عجز أن يقول لا لبدرية فكيف لنا أن نتوقّع من هذا البرلمان أن يقول للحكومة لا في أمر الكوليرا أو في سواها!! هل يعقل أن يجرؤ هذا البرلمان على تذكير الحكومة بدورها نحو مواطنيها الذين يموتون كل يوم فقط لأن الحكومة مكابرة؟؟!! هل يعقل أن ينهض برلمانٌ كهذا إلى الدفاع عن الناس ضد الكوليرا وهو ذات البرلمان الذي صفّق للحكومة وهي ترفع أسعار السلع والمحروقات؟؟!!!
وأما – أطباء الحكومة – فهؤلاء حكايتهم حكاية.. ونقول أطباء الحكومة لأن الحكومة لا تسمع في أمر الطب إلاّ لأطبائها وكل من سواهم فهم شيوعيون ومارقون ومتآمرون..
عندما إغتالوا الدكتور علي فضل في أبريل ١٩٩٠م بغرز المسمار في رأسه – وهذا مُثبت ومدوّن ومعروف- أتوا بطبيبين -أيضاً معروفان بالأهل وبالتخصص- ليوقعا علي تقرير الوفاة وليقولا إنّٙ سبب وفاة المرحوم هي الملاريا.. هكذا تماماً.. وقد فعلا..ولم يطرف لهما رمش.. وما يزالان حتى يوم الناس هذا يمشيان في الأسواق ويأكلان الطعام…!! لا بل ما يزال من غرز المسمار في رأس الشهيد نفسه مثلهما (يتجدّع) مرتاح الضمير.. فجميعهم (محترمون) تمام الإحترام ومقدّرون..
وأطباء الحكومة هؤلاء يقولون الآن إنّٙ الوباء الذي يجتاح أهلنا هو إسهالات مائية لا غير.. ومن يقول بغير ذلك فهو مارق.. ويقولون إنه إنتقل إلينا من دويلة الجنوب المتاخمة ومن أثيوبيا المجاورة واللتين تجتاحهما (الكوليرا) هكذا بالأسم ثم تحولت الكوليرا عندنا في السودان -بقدرة قادر- إلي (إسهالات مائية).. ويقولون إن هذه الإسهالات الآن تنحسر والواقع أنها تتمدد حتي أنها دخلت الخرطوم وهي الآن علي تخوم كافوري والمنشية..
ويقولون إنها تحت السيطرة والواقع أنهم عاجزون حتي عن تأمين المحاليل الوريدية (غير الفاسدة) في بعض المناطق المنكوبة.. ثم أنهم يأمرون بإقالة وإعتقال زملائهم الأطباء الذين يرون غير ما يرون..
الحكومة تكابر وتكذب وعلماؤها وأطباؤها يحللون لها الحرام ويبررون لها ما تفعل.. ووزير الصحة غير الطبيب يردد بعدم معرفة وإدراك – ولكن بخنوع – ما يقوله أطباء الإفك والكذب.. إنها إسهالات مائية ولكنها تقتل الناس وتحصدهم حصداً..
يا ســـــبحان الله..
لقد تفشي عدم الإحترام في زماننا هذا كتفشي (الإسهالات المائية) وأشد !!!