تقرير: إسماعيل محمد علي
عبّر عدد من خبراء الاقتصاد عن تفاؤلهم بالخطوات العاجلة لإصلاح الاقتصاد السوداني وبنائه خلال الفترة المقبلة، في ضوء ما كشف عنه رئيس وزراء الحكومة الجديدة الدكتور عبدالله حمدوك.
وأكدوا في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن التوجه نحو دعم خزينة الدولة بمبلغ 8 مليارات دولار من خلال المساعدات الإقليمية والدولية يمثل أرضية صلبة لاستقرار سعر الصرف وتغطية العجز في ميزان المدفوعات، الأمر الذي من شأنه إحداث تحول نوعي في النهوض باقتصاد البلاد إلى بر الأمان وتحقيق طفرة إنتاجية غير مسبوقة.
تغطية العجز
أوضح الأكاديمي والخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل أن الاقتصاد السوداني يحتاج إلى جهود عملية لوقف التدهور الذي شهده بسبب السياسات الفاشلة، لافتاً إلى أن أولى الدفعات العاجلة التي يحتاجها الاقتصاد تتمثل في دعم خزينة الدولة بعملات أجنبية بمبلغ 8 مليارات دولار خلال عامين لتغطية العجز في ميزان المدفوعات لمدة عامين، ما يضمن استقرار سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني، إضافة إلى استقرار التضخم، وبالتالي تستطيع الدولة تنفيذ المشاريع الحقيقية والأساسية.
وأكد أنه إذا أُنجز ذلك، يمكن أن تصل الصادرات السودانية خلال ثلاثة سنوات إلى 100 مليار دولار من خلال التركيز على القطاع الزراعي البستاني، الممثل في التمور والأعلاف.
ونوّه المهل بأن إصلاح الاقتصاد السوداني ليس بالأمنية الصعبة المنال، لكن مع تنفيذ تلك الإجراءات والسياسات المحكمة، لا بد من تحقيق السلام في ربوع البلاد المختلفة، ووقف الحرب في مناطق النزاعات في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، إضافة إلى محاربة الفساد والمصالحة مع المجتمع الإقليمي والدولي.
ورأى أنه بذلك “يستطيع السودان أن يعبر إلى بر الأمان كما فعلت دول مثل روندا وإثيوبيا على الرغم من أن إمكانياتها ومواردها أقل بكثير ممّا يمتلكه السودان. وعزا المهل ما حدث من تردٍّ وتراجع اقتصادي خلال الفترة الماضية إلى انتشار الحروب في عدد من مناطق البلاد، والوضع العدائي مع المجتمع الإقليمي والدولي، واتّباع سياسة الإقصاء والتمكين، وانعدام المنهجية الواضحة في اتخاذ القرار، وإهمال القطاعات المنتجة، بخاصة الزراعة والصناعة، وتوجيه 80 في المئة من ميزانية الدولة إلى الإنفاق على القطاع الأمني والسيادي، بينما خصص للقطاعات الخدمية كالتعليم والصحة والزراعة وغيرها 20 في المئة من الميزانية. وأكد أنه باستطاعة السودان الخروج من دائرة الفقر، إذا ما نُفذت الأفكار بشكل جيد، لأنه بات واضحاً تماماً أن هناك إشكاليات في التنفيذ والإدارة والمتابعة، لذلك، فإن معظم المشاريع التي حققت نجاحات داخل البلاد كانت إدارتها أوروبية ورأسمالها عربي وعمالتها سودانية.
أرضية صلبة
في السياق ذاته، قال وكيل أكاديمية المصارف للعلوم المصرفية والمالية الدكتور علي خالد الفويل في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “إذا تمكن السودان من الحصول على المبلغ الذي حدده رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لمعالجة الوضع الاقتصادي بصورة عاجلة، وهو دعم خزينة الدولة بمبلغ 8 مليارات دولار، فهذا يمثل الحد الأدنى ويُعتبر أرضية صلبة لاستقرار سعر الصرف وتمكين القطاع الزراعي من النهوض، لكن التحدي الماثل هو هل هذا المبلغ متاح حالياً أم لا، سواء من المؤسسات المالية المانحة أو كمساعدات من دول بعينها”.
واعتبر أن الظرف الراهن مهيأ وليس كما كان في السابق، فهناك بنود صرف توقفت كالإنفاق على الأمن، كما أنه ليس هناك حاجة إلى استيراد الوقود والأسمدة والقمح، إضافةً إلى أن البلاد تشهد تباشير موسم زراعي جيد، ما سيكون له أثره في الوضع الاقتصادي.
وأوضح الفويل أن معالجة تدهور الاقتصاد يتطلب معرفة أسبابه أولاً ومشكلته الرئيسة، مبيناً أن الاقتصاد السوداني يعاني من إشكاليات مزمنة تتمثل في هيكل الاقتصاد ذاته، مشدداً على أن الخيار الأمثل لبناء أي اقتصاد هو الإنتاج، سواء كان ثروة حيوانية أو زراعية أو تعدين أو بترول أو صناعة وهكذا، وأنه بالنسبة إلى الاقتصاد السوداني، فإنه يعاني من ضعف الإنتاج على الرغم من توفر الموارد الطبيعية، بخاصة في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية لكن تنقصنا البنية التحتية والتسويقية وغيرها.
وأشار إلى أن تجاوز الفترة الانتقالية من الناحية الاقتصادية، يتطلب إيجاد برنامج إسعافي يعمل على اتّباع سياسات ترشيدية في الاستيراد لتخفيف الفجوة في الميزان التجاري البالغة 6 مليار دولار، خصوصاً أنه في فترة النظام السابق، كان يُصار إلى استيراد 80 في المئة من حاجة الاستهلاك المحلي.
وأوضح أنه لا بد من تحرك خارجي لدعم الصادر ودعم مسألة الاستيراد من خلال رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة علاقاتنا مع المؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية لضخ رأسمال تشغيلي تستفيد منه قطاعات منتجة عدة لفترات طويلة، إلى جانب أهمية العمل على ثبات السياسات الائتمانية النقدية والضريبية والجمركية وقانون الاستثمار، وكذلك العمل على استقطاب مدخرات المغتربين من خلال وضع سياسات تشجيعية واضحة.
وأشار الفويل إلى أنه لا بد من رسم برامج إسعافية واضحة المعالم والسياسات والتنفيذ، وإلاً “سنحرث في البحر ولن ينعدل وضع الاقتصاد مهما بُذل من جهد”، مؤكداً ضرورة إعادة النظر في موازنة 2019 والعمل على مراجعة الموازنة النقدية والسياسات التشجيعية والترتيب لإنشاء مؤسسات تنسيقية وغرف إسعافية لمعالجة مشاكل الصادر والاستيراد ومعالجة العلاقات الخارجية من خلال إدارة حوار مع المؤسسات التمويلية والمالية كافة، فيما لا بد من اعتماد خطاب إعلامي تفاؤلي يعمل على التركيز على مشاريع وبرامج وسياسات واضحة فيها تشاركية بين الدولة والمجتمع والمؤسسات المختلفة.
هيكلة الديون
وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، أعلن أمس السبت (24 أغسطس) في أول مقابلة تلفزيونية له بعد أدائه الأربعاء الماضي اليمين الدستورية رئيساً لوزراء الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان، أن بلاده دخلت في حوار مع واشنطن لرفع السودان من قائمة الدول الحاضنة للإرهاب، وكذلك مع صندوق النقد الدولي لمناقشة إعادة هيكلة الديون.
ولفت أن بلاده بحاجة إلى مساعدات خارجية بمقدار 8 مليارات دولار خلال العامين المقبلين، لتغطية فاتورة الواردات واستعادة الثقة في العملة، مضيفاً أن السودان يحتاج إلى ملياري دولار ودائع بالعملة الأجنبية في الأشهر الثلاثة المقبلة لوقف تراجع العملة المحلية.