تابعت مع كثيرين أنباء انعقاد الجمعية العمومية لما
يسمى بالمجلس الأعلى للجاليات السودانية في الخارج بوجود ممثل لمجلس السيادة هو اللواء
نور الدين عبدالوهاب، وممثل لقوى الحرية والتغيير هو الدكتور كمال كرار، بمباركة
وتشريف الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج السفير عصام عوض متولي،
المعين من الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي عمل مديراً لمكتب النائب الأول لرئيس
الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه، وأحد كوادر الجبهة الإسلامية القومية في
أثناء دراسته الجامعية في المغرب.
والجاليات التي عقدت الجمعية العمومية لمجلسها الأعلى
معروف أنها مكونة من كوادر المؤتمر الوطني، وكانت تخصص لها ميزانيات مالية ضخمة،
وكانت من العناصر التي يعتمد عليها النظام في الانتخابات الرئاسية الوهمية، وفي
غيرها من أمور الحشد والاستنفار، وأغلب أعضائها من المنتفعين الذين استفادوا من
النظام البائد بالتسهيلات المختلفة، والأراضي، والحوافز والإعفاءات.
ويأتي ممثلان لمجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير –حسب
الخبر- لإعطاء هذا المجلس الذي لا يمثل إلا المنتفعين الذين يريدون ركوب موجة
الثورة شرعية، وتأكيد وجود، في حين أن المغتربين الشرفاء يقومون الآن بحملات واسعة
لجمع المال من أجل دعم ميزانية الدولة، ومساندة التحول الديمقراطي.
إن مدينة الرياض التي تضم أكبر جالية سودانية في الخارج ظل المغتربون فيها يقاومون بكل ما أوتوا من قوة تشكيل جالية لا تمثلهم، بسبب ما كان يمارسه النظام البائد من إقصاء للشرفاء، وتقريب عضويتها والمنتفعين، وشق صفوف الجمعيات المهنية والفنية والرياضية والتراثية، ومنظمات المجتمع المدني المختلفة، حتى طالت يد التقسيم والاستقطاب الجمعيات الخيرية، فانشق كثير منها؛ بسبب سوس الإنقاذيين الذي حاول نخر كل عمل لا يصب في مصلحتهم، وظلت السفارة تبعث إلى فعاليات جهاز المغتربين المحسوبين على النظام، وكان يقف على اختيار ممثلي الجالية المتوهمة رئيس الجهاز كرار التهامي، الذي تولى المسؤولية فترتين، لم يلمس خلالهما المغتربون أي فائدة تعود عليهم، غير مزيد من الأتاوات، وتعقيد الإجراءات، ونفض جيوبهم، وظلت القضية الأبرز وهي تعليم الأبناء عالقة حتى اليوم من دون أي حل يريح المغتربين، ويرفع الغبن عنهم.
كما أن بعض فرعيات تجمع المهنيين التي تشكلت في كثير
من الدول جاءت بصورة فوقية تجاوزت الكيانات المهنية والجهوية ومنظمات المجتمع
المدني الأخرى التي تنشط في فضاء العمل العام.
وفي الرياض تحديداً، ظهر جسم باسم تجمع المهنيين لم
نعرف بعد كيفية تكوينه، في حين أن الملتقى السوداني الثقافي الاجتماعي الرياضي -وهو
كيان يضم في عضويته منظمات المجتمع المدني السوداني التي رفضت أن تكون تحت عباء
السلطة- خاض ومعه على سبيل المثال جمعية الصحفيين السودانيين والرابطة الرياضية
للسودانيين بالخارج (الصالحية) حرباً ضروساً ضد الاستقطاب، ومحاولة الاحتواء،
وكانت هذه الكيانات وراء إفشال محاولات السفارة ومعها جهاز المغتربين برئاسة من
تولوا أمانته وعلى رأسهم كرار التهامي تشكيل جالية مشوهة لا تمثل غير أهل النظام،
والمتسلقين.
يجب إيقاف أي عبث باسم المغتربين في ظل تحول ديمقراطي
لا يستثني أحداً، ولا يقصي، إلا أن تغيير الإنقاذيين جلدهم لتلبس الحالة الثورية
يعني استغفالاً للشرفاء، واستمراراً لسياسة الاستهبال التي كان يمارسها النظام.
ومثالاً على هذا الاستهبال أشير إلى أن من جرى تقديمه
على أنه رئيس المجلس الأعلى للجاليات (الدكتور إبراهيم أحمد البحاري) هو صاحب
المقطع الصوتي الذي بث ما وصفه بفضائح كرار التهامي، والذي شاع في مجموعات
الواتساب، وقد رد عليه كرار وهو منهار بأسلوب وصفه كثيرون بأنه “هابط”،
ولا يليق بمسؤول، وكانت المقاطع عن تجاوزات مالية، وتلاعب، وكان البحاري يحتمي
بالرئيس المخلوع عمر البشير وهو يطالب بإعادة مجلسه الذي كان قد جمده كرار
التهامي، وكان من دفوعاته التي بدأها بامتداح “دعوة رئيس الجمهورية للحوار
الوطني والمجتمعي”، قوله: “الرئيس بيعمل وبيقرر، وفي ناس بيجو (يشلتوا)
الناس”. أي أن بحاري من جماعة سير
سير يا البشير، وينسب إليه إنه قال: “إن المغتربين في الخليج كمالة
عدد”.
وكان على المسؤولين التحري عن الاتهامات المتبادلة،
ومساءلة طرفيها، بدلاً من شرعنة كيان يدعي تمثيل المغتربين.
إن وجود جهاز للمغتربين لا يعبر عن همومهم وقضاياهم
وطموحاتهم، ولا يستنهض قدراتهم وطاقاتهم من أجل أن يسهموا بفعالية في أهم مرحلة في
مسيرة الوطن يمثل إهداراً للموارد، واستمراراً لسياسة الاستقطاب التي مارسها
النظام البائد، وإطلاقاً لأيدي أشخاص لا يعبرون عن المغتربين.
وأعتقد أن هذه الجمعية العمومية “التمثيلية”
تفصح عن استمرار الدولة العميقة، وبدء المؤتمر الوطني في تغيير جلده ليظل واضعاً
يده على مفاصل الدولة.
ومن العجب العجاب أنني أتابع هذه الأيام استعداد الكيانات الرياضية والثقافية التابعة للمؤتمر الوطني التي ظلت تستأثر برعاية السفارة وتدليلها للاحتفال بالثورة في مشهد عبثي لا يمكن أن يجسده أبرع كتاب المسرح والدراما.
لا إيقاف لهذا العبث إلا بفتح ملفات سفاراتنا في الخارج، التي ستكشف حتماً من ظلوا يترزقون على حساب المغتربين، ويدعون تمثيلهم، كما أنه لا بد من التريث في اتخاذ قرارات تخص الجاليات بناءً على العلاقات الشخصية، والمعرفة الضيقة، وأن تأتي القرارات بعد تمعن للوقوف على الحقائق، وفرز الكيمان، تفادياً لألاعيب المتحولين الذين لا يمكنهم الخروج من ذواتهم، وتغليب المصلحة العامة.