ما يجري في مدينة بورتسودان خطير للغاية، هذه ليست مجرد اشتباكات قبلية بل شرارات تنقل النار في أرجاء الوطن.. قبل عدة شهور أريقت دماء بريئة في مدينة القضارف، احتكاكات صغيرة غالبها شخصي تتطور إلى انفعالات قبلية يزيد اشتعالها والتهابها مشاهد الدماء والأشلاء.. و أطفئت النيران لكنها ظلت مشتعلة تحت الرماد على رأي الشاعر:
أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام
إنتقلت الشرارة إلى مدينة بورتسودان بنفس المكونات القبلية المحتربة ولكن بدماء وأشلاء أكثر.. وصلت مرحلة أفجعت كل السودانيين.
وبنفس الوصفة تعالج هذه الأحداث الآن، تضميد الجراحات وترطيب الخواطر وترضيات بشتى السبل، وسوف يتوقف نزيف الدم لكن تظل الجمرة تحت الرماد.. وربما – لا قدر الله- تنتقل إلى منطقة أخرى بل قد تأتي هنا إلى العاصمة الخرطوم حيث يتوفر الوقود اللازم لإشعال أكبر حريق ممكن..
ما هو الحل؟
بكل يقين هذا السؤال لا يبحث عن وصفة آنية تخاطب ما يجري حالياً في بورتسودان، بل علاجاً جذرياً يضمن أن لا تراق نقطة دم واحدة على أساس قبلي أو حتى عشائري..
في دولة مثل رواندا ذبحت الصراعات القبلية مليون نفس بريئة خلال ثلاثة أشهر فقط، كان الجار يقتل جاره، والزوج زوجته والصديق صديقه فأقيمة أبشع وليمة على أعشاب البحر في تاريخ البشرية.. ولكن سرعان ما أدرك الناس هناك أن شعار (الدم بالدم وما بنقبل الدية) يعني مزيداً من الدماء والدم يجر وراءه الدم بلا نهاية.. بمنتهى الوعي أدركوا أن الانسجام الوطني كنز يستفيد منه على الشيوع كل أبناء الوطن بلا تمييز.. فكانت النتيجة دولة راشدة ورشيدة سجلت أرقاماً اقتصادية مبهرة.. وأصبحت أنموذجاً عالمياً يضرب به المثال..
نحن في حاجة لاستلهام التجربة الرواندية، أن نجعل للسلام الاجتماعي ثمناً ملموساً لكل الناس.. فالناس لا تقتل بعضها بالفأس أو السكين أو الرصاصة، تلك مجرد أدوات، بل تقتل الفكرة السوداء في الرؤوس.. فالأجدر أن نجتث الفكرة من العقول.. نقاوم ونمحو بكتريا الأفكار التي تصنع الالتهابات القاتلة..
بالله عليكم عالجوا الكارثة في جذورها لا قشورها..
التيار