في عام ٢٠١٦م كتبت مقالاً لصالح صحيفة (التيار) بعنوان شلهوتة، وذلك المقال مُنع من النشر لأنه اعتبر سخرية واستهزاءً بالسيد المبجل آنذاك رئيس الجمهورية عمر البشير.
وأطلقت كعادتي المقال في الأسافير فاتصل بي فريق في جهاز الأمن آنذاك، وقال لي: عاملة فيها شاطرة يعني بقيتي شغالة لينا بأسلوب التورية.
ولأن ذلك المقال لم يفقد صلاحيته خاصة بعد محاكمة المخلوع وثبوت تلقيه أموالاً خارجية، فقد رأيت أن أعيد نشره، خاصة أنها المرة الأولى التي سينشر فيها في صحيفة ورقية، ولولا ظلال المدنية لما كانت هذه السانحة.
شلهوتة
كانت هناك امرأة ستينية؛ تكثر من التطواف ببيوت الجيران بصورة شبه يومية؛ مما كان يسبب الإزعاج لأهالي الحي.
زيارات تلك المرأة لم ترتبط بمناسبات أو أسباب أو مواقيت معينة، بل كل ما هفا بخاطرها طرق أبواب الجيران كانت (تلفح) ثوبها و (تبقى مارقة)، ولأن كثرة تلك الإطلالة ارتبطت عند الجيران بـ (الشحاتة) فقد كان وجودها غير مرغوب فيه.
وحدث أن أطلقت عليها إحدى نساء الحي لقب (شلهوتة)، وكلمة شلهوتة مشتقة من كثرة (الشلهتة)، بمعنى أنها تكثر من الشحاتة والـلهلهة، ودائماً (متجرسة ومشلهتة).
وباستمرار في وضعية (عليكم الـله أدوني حبة زيت وأدوني شوية بصل).
وحين يتعذر على (شلهوتة) لفح ثوبها، وطرق أبواب الجيران بالدرب عدييييل؛ كانت تنادي بالحيطة (يا جماعة أزيكم كيفنكم عاوزة كسبرة، شطة، ملحة، ثوم) وهكذا، كانت (شلهوتة) تشحت كل شيء وأي شيء.
والغريب في الأمر أن (شلهتتها) تلك لا ترقى إلى مستوى احتياجاتها أو تتناسب مع مستوى عائلتها المادي، بمعنى أنها بقليل من التدبير والاقتصاد كان في إمكانها تجنب شحدة الأشياء البسيطة على الأقل.
وبمرور الوقت لم يعد أحد ينادي (شلهوتة) باسمها الحقيقي، وصار اسم (شلهوتة) هو الاسم المتداول والسائد عند نسوة المدينة، بل إن زوجها اكتسب سمات اسم زوجته فصاروا ينادونه بـ (شلهوت).
(شلهوتة) كانت تزور الجيران أكثر من زيارة الجيران لها في بيتها، بمعنى أنها (حايمة طوالي) (يا بيت امسكني ويا بيت فكني)، ولأن الجيران بدأوا يتضايقون من شحادتها الكثيرة ونفذ صبرهم وملوا من الإنفاق عليها، فقد أصبح يستقبلها الأطفال الصغار حين تطرق أبواب البيوت.. وما أن تجلس في صالون هذا البيت أو ذاك حتى يبدأ الأطفال يتهامزون ويتلامزون حول يا ترى ما هي أسباب الزيارة؟، هل هي ملحة ولا كسبرة ولا شطة، ولا يمكن لحمة عدييل؟
(شلهوتة) كانت تحس بالحرج من ضعف استقبالها، ثم لا تلبث أن تسأل الأطفال: (أمكم وين يا أولاد) فيتحجج الأطفال بأن الأم إما نائمة أو مريضة أو في مشوار خارجي، ومهما مكثت (شلهوتة) من ساعات في انتظار الأم، ففي النهاية لا يودعها عند باب الخروج إلا الأطفال.
خارج السور:
طيب نحنا حكينا قصة شلهوتة ليييييه؟!
الانتباهه