الخرطوم – التحرير:
احتدم الصراع بين رفقاء السلاح داخل الحركة الشعبية – قطاع الشمال- بدرجة قوية لم تشهدها الحركة منذ انفصالها عن الحركة الأم، عقب انفصال جنوب السودان في عام 2005م، وذلك نتيجة للقرار الذي اتخذه مجلس جبال النوبة بعزل رئيس الحركة مالك عقار، وأمينها العام ياسر عرمان، وتعيين نائب رئيس الحركة الفريق عبدالعزيز الحلو رئيساً للحركة، وقائداً عاماً للجيش الشعبي؛ وهو أمر رفضه (عقار) وعدّه انقلاباً على دستور الحركة وأدبياتها.
تفجر الصراع داخل الحركة الشعبية خلق حالة من الترقب داخل القوى السياسية الصديقة لها في الداخل والخارج، وفتح الباب أمام استفهامات كثيرة، و تباينت الآراء حول مآلات تلك الأحداث لدى عدد من المحللين السياسيين الذين عبروا لـ (التحرير) عن أسفهم لغياب مبادرات حقيقية من قوى المعارضة السياسية الصديقة للحركة لرأب الصدع، وتقريب وجهات النظر.
يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور صلاح الدين الدومة في حديث لـ (التحرير) أن عدم وجود مبادرة علنية من قوى المعارضة الصديقة يعود إلى أنها تنظر إلى ما يجري داخل الحركة الشعبية من تغيير للقيادة بعين الرضا، ويشير الدومة إلى أن تغيير القيادة هو مسار تصحيحي ولم يكن انقلاباً؛ وقال: “أنه جاء نتيجة لتراكمات طويلة من الأزمة، وأن وصول القيادة الجديدة لرئاسة الحركة سيكون في مصلحة القوى التي تنشد التغيير الحقيقي”.
وأشار إلى أن ما حدث ربما رفع سقف المطالب في عملية التفاوض مع الحكومة من القيادة الجديدة ؛ وأوضح أن أفضل تعبير لتوضح مستوى رفع المطالب هو القراءة الصحيحة للمشورة الشعبية، التي عبر عنها سابقاً الراحل الدكتور جون قرنق، حينما قال: إنها (جنى صغير بتاع تقرير مصير)، ويرى الدومة أن ما يجري داخل الحركة الشعبية أمر طبيعي داخل أي بناء ثوري؛ لأن هذه الخلافات ليست على دستور أو منفستو الحركة وإنما هي محاولة لتصحيح وضع شاذ داخلها .
وقال الدومة: “لا يعقل أن يكون الجنود من النوبة، والقيادة في يد آخرين لا يمثلون ثقلاً حقيقياً في الحركة”، مشيراً إلى أن الذي قاد إلى هذا الواقع، وأجهض عملية التفاوض هو تعنت الحكومة، ورفضها لاتفاق (عقار – نافع) الذي كان محل تقدير المعارضة وقتها.
لكن المحلل السياسي الدكتور حسن الساعوري نحى منحى آخر حينما عدّ ما جرى داخل الحركة الشعبية بأنه نتاج تراكمات سابقة، وقال لـ (التحرير): “إنه لا يرى أن تعالج الأزمة في الوقت القريب، رغم المساعي التي قد تبذلها دولة جنوب السودان والمجتمع الأوربي لمعالجتها، إضافة إلى الحزب الشيوعي الذي له علاقات وطيدة، عكس بقية القوي السياسية الأخرى”.
ويرى الساعوري أن الحركة تتلاعب بالوقت؛ لتمرير أمد التفاوض، بجانب تحجيم القوات المسلحة الحكومية من التقدم لتحرير جنوب كردفان، حتى يدخل الخريف، ويصعب التحرك العسكري في تلك المنطقة.
ويخشى الساعوري في حديثه لـ(التحرير) ان تتعلل الولايات المتحدة الامريكية بتوقف عملية التفاوض مع الحركة الشعبية، ومن ثم، لن تسرع في رفع العقوبات عن السودان في يونيو المقبل.
وقال: “على الرغم من وجود شواهد على حقيقة الخلاف داخل الحركة الشعبية إلا أنه لا يستبعد أن يكون الأمر تلاعباً من أجل استمرار الحرب، وعدم الدخول في جولة جديدة للتفاوض”.
وقد عدّت الحكومة على لسان الناطق الرسمي باسمها وزير الاعلام دكتور أحمد بلال أن تطور الخلافات داخل الحركة الشعبية سيؤدي إلى تعطيل التفاوض بين الجانبين، في وقت أكدت فيه استعدادها لاستئناف التفاوض بعد قبول المقترح الامريكي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين بالحرب.
ارتفاع وتيرة الصراع بين قيادات الحركة جعل حالة من التخبط تصيب قواعد ومكاتب الحركة في الداخل والخارج، وهي تصدر بياناتها لتحدد موقفها من هذا الصراع، ومع هذا أكدت كثير من مكاتب الحركة بالداخل تمسكها بمواقف الجيش الشعبي ،وقيادته ممثلة في الجنرال جقور مكوار، والجنرال أحمد العمدة، ودعت في الوقت نفسه إلى ضرورة قيام مؤتمر استثنائي لتوفيق الأوضاع؛ بينما رأت بعض مكاتب الحركة الخارج الخطوة بالمحاولة التصحيحية؛ وهذا ما دعا رئيس الحركة المعزول (عقار) إلى إعفاء المكاتب، التي تبنت الوقوف إلى جانب قرارات مجلس جبال النوبة ودعم الفريق الحلو.
وفي السياق ذاته، أكد الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني بكري يوسف أن خلافات الحركة الشعبية في هذا التوقيت تعطي فرصه للحكومة؛ لأن تتقدم على القوى المعارضة، لكنه عاد، وقال: “لكن في تقديري أن هذا لن يدوم طويلاً”، وأعرب عن ثقته في قدرة الحركة الشعبية على تخطى هذه الأزمة، ونفى بكري في حديث لـ (التحرير) أن تكون القوى السياسية المعارضة صمتت عما يدور داخل الحركة الشعبية من صراع، وأكد أن هنالك اتصالات متواصلة من أجل الوصول إلى تفاهمات.