كثيرون ينظرون الي محاكمة البشير بعين فيها كثير من الريبة والشكك، كون أن تهمة الفساد المالي التي يحاكم عليها حالياً لا ترقى الي مستوى الجرائم العظيمة التي ارتكبها في حق شعبنا على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
وهذا قول صحيح… ولكنه ناقص. فمحاكمة البشير على تهمة محددة لا تعطل ولا تمنع محاكمته على بقية الجرائم وقد أشار القاضي بوضوح في جلسة المحاكمة السابقة إلي أن البشير مطلوب على ذمة قضايا أخرى في إشارة لمبادرة المرحوم علي محمود حسنين بفتح قضية قانونية ضده وضد آخرين في شأن انقلاب ١٩٨٩. وهو الامر الذي ينبغي ان يتواصل وتتواصل البلاغات الجنائية من كل المتضررين ضد كل الجرائم التي ارتكبها سادة النظام السابق.
أنا أنظر لمحاكمة البشير من منظور آخر، يؤسس لسيادة حكم القانون والمسئولية الجنائية على السياسيين نتيجة أفعالهم وسياساتهم… نزع هذا التجريد عن السياسة وترجمة القاعدة الكونية بأن للأمور ما بعدها وأن للقرارات عواقب وقفل باب عفا الله عما سلف إلي الأبد هو أمر يستحق المتابعة والاحتفاء.
وما أقترحه هو تحويل محاكمة البشير الحالية (والتي يقوم فيها الرجل بقصد او دونه بذكر الأسماء وجر اقدام المتورطين الآخرين الي محاضر القضية) الي حدث إعلامي كبير ينقله تلفزيون السودان لشعب السودان كله لينظر في صورة البشير وقد ضربت عليه الذلة والهوان والمسكنة لقاء جرائمه وأفعاله أمام حكم القانون وسيف العدالة المهيب؛ إجلالاً واحتراماً لعظمة هذه الثورة التي صنعها وأخذ بها الطاغية إلي قفص العدالة.
فلنجعل من محاكمة البشير الحدث السياسي الأبرز الذي يعنون للمرحلة الجديدة في تاريخ السودان، ولنسترشد بهتاف الترقب المشهود بكرة الموكب .. بكرة الموكب … إلي هتاف جديد نتوحد في رفعه بكرة الجلسة … بكرة الجلسة.