محتويات
أولاً: فضح الإسلاموية:
ثانياً: مقاومة الشعب المستمرة:
ثالثاً: من ملامح الثورة:
رابعاً: خطة التدرج:
خامساً: بركات الثورة:
سادساً: قوة المثل:
سابعاً: مهام الانتقال العاجلة:
ثامناً: معالم الحكم المنشود:
تاسعاً: مراجعات حزبية مطلوبة:
عاشراً: الديمقراطية الاجتماعية والمستدامة:
أخيراً: السودان وموريتانيا:
الأخ الرئيس
أخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي الحضور
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد-
أنا ومن معي نشكر موريتانيا الرسمية والشعبية لدعوتنا لزيارة موريتانيا الشقيقة التي يجمع بيننا وبينها بالإضافة لعلاقة الإخاء العربي والأفريقي والإسلامي أننا نمثل ثغر شمال الصحراء مع جنوبها، ونمثل التخوم بين المجتمع التقليدي والمجتمع الحديث، ونمثل الآن حملة راية الحوكمة الرشيدة المؤسسة على الرباعية الطيبة: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون. راية يرجى أن نبشر بمطالبها في كافة أرجاء أمتنا:
فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا
ومع بعد المسافة الجغرافية بيننا فإن العلماء من أصل شنقيطي قد ساهموا مساهمة كبيرة في نشر الثقافة الإسلامية في السودان.
زيارتنا هذه فرصة لتجديد العلاقات التاريخية، ولتبادل التعارف فكلانا مغمور السيرة. تفصل بيننا الجغرافيا كما يفصل التصنيف الجديد بين ثقافة الأنجلوفون والفرانكوفون، وتعبر هذه الزيارة عن تقدير للدور الإيجابي الذي قام به د. محمد الحسن ولد لبات الذي دخل المشهد السوداني كممثل لمجلس السلم والأمن الأفريقي نائباً للسيد موسى الفكي، ولكن مؤهلاته واستعداده والقبول الذي لقيه مكنوه أن يقوم بدور كبير في تجسير فجوات بين مكونات المرحلة الانتقالية: بين المكون المدني والعسكري، بل وبين المكونات المدنية نفسها فعانى ما عانى من الإرهاق ولكنه كان إرهاقاً بناءً فالقاعدة الأبدية: من جدّ وجد. اجتهد هو وزملاؤه الأثيوبيين وساعدونا في بلوغ الأهداف الوطنية الديمقراطية المنشودة:
دَعْوَى الإِخَاءِ علىَ الرَّخَاءِ كَثِيرَةٌ وَلدى الشَّدَائدِ تُعْرَفُ الإِخْوَانُ
كانت تحكم السودان أيام بزوغ الدعوة الإسلامة دويلات مسيحية قاومت الفتح الإسلامي بصورة جعلت الدولة الإسلامية التاريخية تعقد مع دولة المقرة المسيحية السودانية اتفاقية تعايش سلمي “اتفاقية البقط”، بهذه الاتفاقية انفردت الحدود بين السودان المسيحي والدولة الإسلامية التاريخية.
إن في تاريخ السودان القديم والجديد تفرداً حيثياته:
o أثبتت الحفريات الحديثة أن حضارة وادي النيل كان موقعها الأول في السودان.
o ثم انفردت تجربة السودان المسيحي بعلاقة تعايش سلمي مع الدولة الإسلامية التاريخية.
o وامتاز السودان بأن الإسلام والاستعراب قد دخلاه سلمياً.
o وفي القرن التاسع عشر كانت الدعوة المهدية السودانية قد جسدت تطلعات أهل القبلة في زمانها، كما شهد بذلك مؤرخون منهم الشيخ أحمد العوام من زعماء الثورة العرابية، وشيخا العروة الوثقى، وفي التاريخ الحديث د. عبد الودود شلبي.
o وفي التاريخ الحديث كان للسودان قصب السبق في فتوحات الربيع العربي في عام 1964م وعام 1985م.
o وسأبين أن ما شهده السودان في ثورة ديسمبر 2018م أنموذج جديد سميناه العبور التاريخي.
بعد هذه المقدمة أبين المشهد السوداني في النقاط الآتية:
أولاً: فضح الإسلاموية:
اغتصاب اتجاه إسلامي للسلطة عن طريق الانقلاب العسكري أعطى فرصة لكشف حقيقة هذه التيارات بأنها ذات مضمون شعاراتي تعبوي خالٍ من البرامج، وأن ولايتهم للأمر فاشستية، وأن ولاتهم مشبعون بالفساد. هذه التجربة الإسلاموية في السودان صالحة لتجريد هذه التيارات من مسحة الطهر والنقاء التي يدعونها.
ثانياً: مقاومة الشعب المستمرة:
مع أن النظام الإسلاموي دعم سلطانه بصورة لم تتوافر إلا للستالينية، فإن الشعب السوداني رفض هذا السلطان بانتفاضات وهبات استمرت ثلاثين عاماً في الأعوام: 1990م، 1996، 1998م، 2006م، 2012م، و2013م، وواجهه بمقاومة مسلحة متعددة الجبهات. هذه المواقف نزعت عن سلطانهم أية شرعية وأجبرتهم على تبديل جلدهم أربع مرات في محاولات يائسة لاحتواء المعارضة.
إن شراسة مقاومة النظام الغاصب جعلته يفقد صوابه ويرتكب من الآثام ما جعل قيادته ملاحقة للمحكمة الجنائية الدولية، متهمة بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية.
ثالثاً: من ملامح الثورة:
الثورة السودانية تجاوزت أزمان الربيع العربي لتستمر 8 شهور حظيت أثناءها بمشاركة شعبية واسعة، وتأييد إقليمي دولي في مشهد استفتاء غير مسبوق.
الدور العسكري لم يكن كما حدث في بلاد أخرى، وهو أن القوات المسلحة هناك تدخلت لفرض إدارة عسكرية منفردة، في السودان كان الدور العسكري منذ البداية مستشعراً لدور تحالفي مع قوى الثورة المدنية ومستعداً للتعامل بندية.
رابعاً: خطة التدرج:
أية قوة تحسم الأمر بالضربة القاضية تتحول تلقائياً لاستبداد جديد. وما حدث في السودان تدرج من مجلس عسكري مدرك أنه مؤقت، إلى شراكة مدنية عسكرية محكومة بوثيقة دستورية، ثم إجراء انتخابات عامة حرة لولاية شعبية خالصة.
خامساً: بركات الثورة:
وحظيت الثورة السودانية ببركات فريدة بيانها:
o انطلقت من الأطراف ثم زحفت على العاصمة.
o ولدت بأسنانها من اليوم الأول في السادس من أبريل 2019م زحفاً واعتصاماً أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.
o القيادة العامة لم تصدهم كما يتوقع بل استضافتهم.
o ولجنة الأمن الرباعية والمجهزة لقهر الشعب والمأمورة بفض الاعتصام الماثل أمام القيادة العامة بالقوة فاجأت الآمر بذلك برفض أمره وإبعاده عن السلطة.
o والمدهش أن قوات الدعم السريع المجهزة لتلبية أوامر رئيس الدولة بصورة شخصية ومباشرة خالفت أمره ونحّته فكان تدبيره في تدميره.
o ومن البركات أن أكبر وأعرق حزب سياسي في البلاد، حزب الأمة القومي، سلم من التلوث بمساندة النظام الفاسد، واحتضن كل حركات المقاومة المدنية والمسلحة للنظام البائد، واحتضن الثورة الأخيرة ما منح الاصطفاف ضده مزيداً من الشرعية فقد كان حزب الأمة القومي صاحب الأكثرية الانتخابية في آخر انتخابات عامة حرة أجريت في البلاد في عام 1986م.
o وحظيت الثورة السودانية مع طول استمرارها بدعم عربي، أفريقي، إسلامي، ودولي كأنهم جميعاً اشتركوا في استفتاء بشأن مصير النظام البائد.
هذه المثابرة بدعم وطني كبير وغير مسبوق، ودعم إقليمي ودولي تؤهل ما حدث في السودان أن يوصف بأنه عبور لمرحلة تاريخية جديدة، بحيث لن تكون الأمور بعده كما كانت قبله، والعاقل في كل المنطقة من يتعظ بذلك، ويخطط لمصالحات إستراتيجية بين الحكومات والشعوب.
كنا في نادي مدريد وهو منظمة عالمية طوعية مكونة من 111 رئيس دولة أو حكومة سابقين كانوا منتخبين ديمقراطياً؛ كنا قد نظمنا حلقات حوار بين رسميين وشعبيين في ست دول عربية، وبعد ذلك دعونا ممثلي 19 دولة عربية في منطقة البحر الميت في يناير 2008م. هذا اللقاء أصدر توصية أن تقبل الحكومات العربية على إجراء مصالحات مع شعوبها على أساس تحقيق إصلاحات سياسية، لكن لم تحدث استجابة ثم تعرضت المنطقة لحركات الربيع العربي، ولحركات الغلاة والعنف.
إن ما حدث في السودان منبه أن شعوب منطقتنا تتطلع لفتح صفحة جديدة بين الحكومات والشعوب، هذه المصالحات أجندتها واضحة أهم معالمها:
o فكرياً: التوفيق بين التأصيل والتحديث.
o سياسياً: ولاية الأمر تقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون.
o اقتصادياً: تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية لإزالة الفقر، والعطالة، وحدة الفوراق.
o ودبلوماسياً: تحرير القرار الوطني من التبعية للهيمنة الدولية.
سادساً: قوة المثل:
الدرس المستفاد من التجربة السودانية أنها لن تمر كواحة صحراء بل سوف يشع تأثيرها، لا بفعل نظام حاكم أو حزب بل بقوة المثل، ويؤمل أن تتولى الحلقات الدراسية الواعية دراسة تجربة العبور التاريخي السودانية، وكيفية التطورات السياسية المطلوبة عبر حوارات هادفة تجنباً للصدام.
سابعاً: مهام الانتقال العاجلة:
التجربة السودانية حتى الآن واعدة، ولكي تنجز عليها أن تحقق على وجه السرعة الآتي:
o السلام العادل الشامل بإبرام اتفاقية تنهي الحرب وتتصدى للأسباب التي أدت لها.
o وقف الانهيار الاقتصادي وتلبية حاجات المواطنين.
o تصفية آليات تمكين النظام المباد بوسائل قانونية وبلا نهج انتقامي.
o التزام علاقات إقليمية ودولية تقوم على المصالح المتبادلة وتجنب المحورية.
o المحافظة على الشراكة المدنية العسكرية ودعمها بميثاق شرف ملزم لأطرافه.
o عقد مؤتمر قومي دستوري يكتب دستوراً مستفيداً من تجارب الماضي.
o إجراء انتخابات عامة حرة باعتبارها محطة الثورة المستهدفة.
ثامناً: معالم الحكم المنشود:
يرجى أن يحقق الدستور نظام حكم راشد مستدام معالمه الأساسية:
o التوفيق بين التأًصيل والتحديث.
o النص على متطلبات السلام العادل الشامل.
o تحقيق ولاية حكم ديمقراطي تقوم على نهج توافقي يرشد التنافس.
o التطلع لنظام عدالة اجتماعية تحقق ديمقراطية اجتماعية.
o تحديد دور القوات المسلحة السودانية كقوة دفاع لنظام ديمقراطي.
تاسعاً: مراجعات حزبية مطلوبة:
الديمقراطية التوافقية هذه لا تعمل في فراغ، ونجاحها يتطلب مراجعات بناءة في كافة القوى السياسية لبنات الجسم السياسي في البلاد:
(أ) هنالك قوى سياسية اشتركت في الحياة السياسية منذ الاستقلال هذه القوى لا يصلح أن تستمر كما هي بل تجري إصلاحات أساسية لمواكبة بناء السودان المتجدد إصلاحات أهمها:
– الفصل بين الدعوي والسياسي في العمل العام.
– الالتزام بالمؤسسية والديمقراطية في تكوين أجهزتها السياسية.
– الانفتاح لمشاركة القوى الجديدة النسائية والشبابية والمهنية.
– الاستعداد لإبرام تحالف لقوى الوسط السياسي الركيزة المطلوبة لبناء الوطن.
(ب) الحركات التي ترفع الشعار الإسلامي أقدمت على خطيئة الانقلاب العسكري، أو أقرته، لفرض أسلمة فوقية أحادية، وعروبوية عنصرية مقيتة عمقت الاستقطاب الإثني ومزقت البلاد، وذكورية غمطت حقوق النساء وسلطت عليهن منظومة قانونية وسياسات مجحفة، وأقامت سياسة التمكين فجردت الآخرين من مواطنيتهم واحتكرت مقدرات البلاد بشكل أدى لفساد غير مسبوق. هذه الحركات ينبغي أن تتعامل باعتدال، وأن تتبرأ من خطيئة الانقلاب العسكري ومن فكرة الحاكمية وهي فكرة ثيوقراطية فمبدأ الحكم في الإسلام شوري، أي يقوم على المشاركة لا التفويض الإلهي، وأن تكون مستعدة للإستجابة لمباديء الحوكمة الرشيدة الأربعة وهي: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون. والالتزام بمبادئ حقوق الانسان الخمسة: الكرامة والحرية والعدالة والمساواة والسلام.
(ج) الحركات اليسارية جزء مهم من الجسم السياسي السوداني ومنهم الشيوعيون الذين ساهموا في الثورة ولكنهم وقعوا في ثلاثة أخطاء:
الأول: التمسك بمطالب أيديولوجية تجاوزها الواقع الاجتماعي، ما يوجب مراجعات تقوم على الالتزام بالمناهج مع تطبيقه على الواقع المتغير. هذه هندسة فكرية اجتماعية مطلوبة.
الثاني: زحموا الإعلام برفض ما سموه الهبوط الناعم كأنهم على استعداد لفرض الهبوط الخشن. وها هو الواقع السياسي في السودان يقوم على الهبوط الناعم الذي بموجبه أبعدت قوى الدفاع والأمن الطاغية واستعدت للحوار مع قوى التغيير لبناء المستقبل الوطني. مع ذلك انخرطوا في هذا الحوار متناسين المبالغات.
الثالث: أدانوا الوثيقة الدستورية ثم أقبلوا على التعامل مع مخرجاتها دون تفسير لهذه الذبذبة الماحقة للمصداقية.
الماركسية أداة تحليل للواقع الاجتماعي فالأداة ثابتة ولكن الواقع الاجتماعي متغير، تغير الواقع في أمر الدين فنشأت رؤى دينية تقدمية، ولم تعد الديمقراطية أداة طبقة عليا بل حكمت قوى عمالية في بعض البلدان عن طريق نظام ديمقراطي. ولا يمكن تصنيف الوطنية حكراً للرجعية الاجتماعية.
ولكن إن رفض مراعاة هذه المتغيرات يجعل الماركسية دوغما نفر عنها مؤسسها. لذلك على رافعي الشعار الشيوعي حالياً إجراء مراجعات تؤهل أصحابه للمشاركة في بناء الوطن.
(د) تجمع المهنيين بدأ نشاطه كحركة مطلبية منذ عام 2016م، ومع تطور الموقف في البلاد اتخذ اتجاهاً سياسياً ثورياً. هذا التحول في الظروف الاستثنائية مشروع، ولكن بعد نجاح الثورة سوف يتطلب الموقف إصدار قانون للعمل النقابي يقوم على أساس أن النقابة للجميع ولكل حزبه، هذا يلزم تجمع المهنيين تطوير موقفهم في اتجاه حزب سياسي أو في اتجاه نقابي.
(ه) قوى المقاومة المسلحة جزء مهم من الجسم السياسي السوداني، وعن طريق المقاومة المسلحة قامت بدور تاريخي في الانتصار لفئات مظلومة، والآن بعد الثورة الشعبية التي ساهمت نضالاتهم في تحقيقها صار موقفها المشاركة في مؤتمر السلام العادل الشامل المنشود وبالتالي التخلي عن مكوناتها المسلحة للدمج والتسريح، وتكوين منابر حزبية سياسية للمشاركة في التحول الديمقراطي.
(و) الاتجاهات القومية العربية تحتاج لمراجعات أساسية. في 1988م التقيت الأستاذ ميشيل عفلق في بغداد وتحاورنا، فقلت له ضمن حجج أخرى إن للإنتماء العربي معناه في الشام لأنه يجمع بين المسلم العربي المسيحي العربي. ولكن في مناطق أخرى كالسودان فإن الشعار العربي مفرق إذ توجد مجموعات وطنية غير عربية. اعترف الأستاذ بهذه الخصوصية ووعد أن يكتب فيها ولكنه توفى قبل ذلك. ترحمت عليه ناعياً وذكرت هذا الوعد في نعيه. على القوى السياسية البعثية في السودان مراجعة مواقفها كما فعل حزب البعث السوداني.
(ز) هنالك قوى فكرية سياسية أفريقانية تصنف نفسها بالقوى الأصلية وتربط بين الأفريقانية والإثنية، هذه القوى ترفع شعاراً مفرقاً للجماعة الوطنية ما يوجب مراجعات ترفع شعارات موضوعية: كرفض التهميش، والمطالبة بالعدالة، واعتبار الإنتماء الأفريقي إنتماءً قارياً لا إثنياً.
(ح) إجراءات تكوين المرحلة الانتقالية صحبها عيبان: الأول الاتفاق على تجنب المحاصصة الحزبية ومخالفة هذا المبدأ، والاتفاق على تجنب إقصاء القوى المشاركة في الحرية والتغيير، ولكن أقصيت.
عاشراً: الديمقراطية الاجتماعية والمستدامة:
الهندسة السياسية المذكورة هذه مطلوبة لصحوة سياسية تجعل الديمقراطية في بلادنا مستدامة، ولكنها وحدها لا تكفي وينبغي أن تصحبها ديمقراطية اجتماعية فلا استقرار لنظام مهما وفر من حقوق سياسية إذا كانت نسبة الفقر، والحرمان، والعطالة، والتهميش، والسكن العشوائي ظاهرة فالجوع أخو الكفر وكما قال الإمام علي “فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِي”.
لا يرجى استقرار نظام يعجز عن تحقيق العدالة الاجتماعية، بل في مثل هذه الظروف فإن الحريات السياسية نفسها تصبح أداة في تقويض السلم الاجتماعي والاضطراب.
استقرار التجربة الديمقراطية في السودان والشروط التي تجعلها عبوراً تاريخياً هي: إقامة الديمقراطية السياسية على أساس توافقي مصحوبة بتنمية مجدية وديمقراطية اجتماعية في ظل سلام عادل وشامل، إصلاحات داخلية تصونها علاقات إقليمية ودولية محتفظة بحرية القرار الوطني وبأقصى درجات التعاون الإقليمي والدولي المؤسس على المنافع المتبادلة. هذه هي شروط الديمقراطية المستدامة المنشودة في التجربة السودانية.
أخيراً: السودان وموريتانيا:
هنالك واجبات تتطلب تعاوناً خاصاً بين السودان وموريتانيا أهمها:
أولاً: الحرص على أعلى درجة من التكامل التنموي والأمني بين أفريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوب الصحراء فنحن في مواقع الثغر بينهما.
ثانياً: الاعتراف بحقوق المواطنة المتساوية للمجموعات الوطنية المختلفة وإزالة كل أسباب الدونية عن المجموعات الوطنية غير العربية لا سيما الرق فلا استقرار لنظم لا تتوافر فيها حقوق المساواة في المواطنة.
ثالثاً: هنالك حاجة ماسة لمشروعات تعاون تنموي بين ضفتي الصحراء الكبرى وبين ضفتي البحر الأحمر.
رابعاً: هنالك الآن مواجهات حرب باردة أو ساخنة تنذر بتفجير المنطقة أهمها: الفتنة السنية الشيعية، وحرب اليمن، والحرب الليبية، والاستقطاب العدائي بين دول مجلس التعاون الخليجي. هذه المواجهات لا يستطيع أحد طرفيها التغلب على الآخر بل سوف تحقق لطرفيها تدميراً متبادلاً، وتتيح الفرص لتمدد حركات الغلو والإرهاب، بل تتيح فرصة واسعة لأعداء أمتنا الإستراتيجيين أن يحققوا مصالح لأنفسهم على حساب أمتنا كما قال أحد شعرائنا:
يَكْفِيـكَ أَنَّ عِدَانَـا أَهْـدَرُوادَمَـنَـا وَنَحْـنُ مِـنْ دَمِنَـا نَحْسُـو وَنَحْتَلِـبُ
إننا إذ نبارك لأهلنا في موريتانيا إجراء انتخابات عامة وانتخاب رئيس جديد نتطلع لرفقة ديمقراطية تخدم مصالح شعوبنا وتستنهض أمتنا لعطاء يجعلها فاعلة فعلاَ خيراً في بناء مستقبل الإنسانية.
هذا وبالله التوفيق.