عندما بلغني نعي أستاذنا الشيخ الدكتور يوسف الخليفة أبوبكر تراءت أمامي صور عدة في مسيرة حياته الحافلة بجلائل الأعمال… مشاهد ومواقف سمعتها منه أو رواها لي بعض تلاميذه ومعارفه:
• ترجع أصول الشيخ يوسف الخليفة إلى أرقو السير بدنقلا قرية كلتوس. هاجرت أسرته إلى أم درمان مع المهدية وأقامت في حي ود نوباوي، ونشأت على العلم والتقوى والصلاح وحفظ القرآن الكريم. ولم أكن أعرف صلته بالشيخ أحمد سوركتي المشهور في أرخبيل الملايو. وقد سمعت منه تفاصيل دقيقة عن حياة سوركتي، إذ كنت أظن أنه لم يعد إلى السودان بعد هجرته إلى إندونيسيا، وعرفت أن زار السودان وقريته كلتوس.
• كنا في إنجمينا بتشاد عام 2005م عندما دعتنا جمعية ثقافية لتقديم ندوة عن ثورة الاتصالات وآثارها الاجتماعية والتربوية على الشباب. قبل بداية الندوة طلب الشيخ يوسف أن يكون مستمعاً فقط ويسهم بالتعقيب على الحديث الذي يسمعه. كان ذلك من تواضعه الجم، باعتبار أن الموضوع ليس في صميم تخصصه. لكن ما سمعته منه في التعقيب كان فتحاً علمياً، إذ تحدث عن ضرورة الربط بين التربية والإعلام بكيفية تضمن الإفادة القصوى من نعمة الاتصالات وتحفظ الشباب والناشئة من مضارها. كان ذلك في الواقع عندي بداية لموضوع مهم واسع في التخصص الإعلامي وهو ما يُسمى التربية الإعلامية.
• تجلت هذه السماحة في أستاذنا البروفيسور يوسف، فقد كان يؤثر الغير بالخير الذي يأتيه. أشرف على بناء مسجد النيلين عندما كان وزيراً للإرشاد والأوقاف في عهد المرحوم جعفر نميري، فهو الذي تفاوض بشأن الأرض مع مالكها الذي رفض في البداية، لكنه اقتنع بعد تعويض مجز قدمه له محافظ الخرطوم مهدي مصطفى الهادي. وعند افتتاح المسجد أراد أن يؤثر الشيخ أحمد علي الإمام بإلقاء أول خطبة، فأراد أن يستأذن الرئيس نميري في ذلك، غير أن الرئيس أمره بالخطبة والصلاة.
• رافقته في إحدى زياراته إلى مكة المكرمة لمقابلة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الله التركي، وعرض الشيخ التركي عليه أن يكون ضيفاً هو وزوجته على الرابطة لأداء فريضة الحج، وهذه فرصة يتمناها الكثير من الناس، لكن الشيخ يوسف اعتذر بلطف شديد.
• على الرغم من تقدمه في العمر وتجاوزه التسعين، ظل مرتبطاً بالعلم والتعليم حيث كان يخصص يومين في الأسبوع لمركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات بالحرف العربي.
• عقب فوزه بجائزة العز بن عبد السلام تبرع بقيمة الجائزة لعمل خيري طوعي في مجال خدمة القرآن الكريم. وقد انشغل بخدمة القرآن في مجالات عدة منها إسهامه في تأسيس مصحف إفريقيا وعمله في مراقبة المصحف الشريف. ومن كتبه المنشورة كتاب أصوات القرآن كيف نتعلمها ونعلمها.
• لعل من المميزات لشخصية يوسف الخليفة وفاؤه لإخوانه، فقد ظل يسألني كلما التقيت به عن أسرة المرحوم الدكتور محيي الدين خليل زميله في البكالوريوس بكلية دار العلوم بالقاهرة وفي بعثات تعليمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
• يحدثني الأخ إبراهيم عثمان أن الشيخ يوسف ظل حفياً بأسرة الشيخ أحمد علي الإمام بعد وفاته، فكان يزورهم ويتفقد أطفاله الصغار. وكانت الأسرة تبادله حباً بحب ولم تنقطع من زيارته في منزله. وحرص الشيخ يوسف على أن يكون في طليعة المبادرين لإنشاء مجمع القراءات رئيسًا لمجلس أمنائه بمسجد الفتح الذي أسسه الشيخ أحمد علي الإمام.
• نزل البروفيسور يوسف الخليفة في أحد مطارات المدن الصغيرة في إفريقيا، مبعوثًا من جامعة إفريقيا العالمية، ولم تكن هناك سيارة ليركبها، بل (موتر سايكل) يردف عليه خلف الشخص الذي جاء لاستقباله.
• حدثنا الشيخ يوسف عن حرص الأفارقة على نيل العلم بالسودان، وأنه زار أحد أمراء الولايات النيجيرية، فتحدث معهم هذا الأمير عن رغبته في تعليم ابنه بالسودان علوم اللغة العربية والقرآن الكريم، وذلك على الرغم من هذا الابن حائز على منح دراسية من بريطانية، وقد استجيب طلبه بقبول الابن في إحدى الجامعات السودانية.
هذه بعض ملامح إنسانية من شخصية فقيدنا الراحل يوسف الخليفة أبوبكر الذي لبى نداء ربه صباح الجمعة 13 سبتمبر 2019م، رحمه الله وعفا عنه وعافاه، وجعل الجنة متقلبه ومأواه.