لم يخطر ببالي يوماً أنني يمكن أن أقف هذا الموقف العجيب الذي أواجه فيه كلباً أمام القاضي.
الجلسة المنعقدة الآن لابد ستحكم للكلب لا لشيء بل لأنني مخطئ وأستحق العقوبة.
اتخذ الكلب مكانه في القاعة ، نظرت إليه ملياً ، كلب فخم إن كان بالإمكان إطلاق هذا الوصف على كلب لكنه بالفعل كذلك ، أحفظ تفاصيله جيداً على الرغم من أننا لم نلتق منذ ذلك اليوم الذي تسبب في وقوفي الآن بين يدي القاضي؛ ذلك أنني أراه في أحلامي بشكل متكرر ، أراه حيناً كلباً ككل الكلاب يحاول نهش لحمي وعضي، وأحياناً كسيراً تملأ الدموع عينيه ما يحزنني إذ إنني من ألقى به في جب الحزن يشرب دمعه، وانتهازياً يريد أخذ كل شيء يقول لي : أمام الجميع أنت مذنب فقد آذيتني لكنني في الداخل ممتن لك فقد منحتني كل شيء.
همس كثير من ذلك الذي يسبق وصول القاضي ، ثلاثة من كبار المحامين ينتظرون فقط افتتاح الجلسة ليقولوا ما لم يقله أحد في معاناة كلب وإجرامي، على الجانب الآخر يبدو المحامي الذي عينته الحكومة للدفاع عني متحمساً لكن مهما يكن فأنا متأكد من أنني لن أفلت.
قبل اليوم المشؤوم كنت جالساً مع أحد الأصدقاء والذي سبقني إلى الهجرة لهذه البلاد رأسي يضج بالأسئلة فكل ما حولي غريب يحتاج تفسيراً، أقضي نهاراتي الطويلة ممتطياً أسئلتي لأسرع في المساء لمقابلة صديقي هذا الذي أثار استغرابي عندما قال إنه يعمل في شركة تقدم خدمات الرعاية النهارية للكلاب بدا لي الأمر سخيفاً جدا فيما مضى صديقي يحكي لي في حماس وربما سخرية لا أدري: كما تلاحظ عزيزي تنتشر أمكنة رعاية الكلاب فليس من المعقول أن يذهب أهل البيت إلى أعمالهم تاركين كلبهم وحيداً، هذا عملنا والمنافسة فيه عالية لذا تظل أعيننا مفتوحة ، والمحظوظ من يجد فرصة رعاية كلب منزلياً فبعض الأسر قد تضطر للسفر ولا تتمكن من اصطحاب الكلب
فتستعين بجليس يؤانسه
ويرعاه، وربما نسي صديقي أن يحدثني عن وظيفة (تمشية الكلاب) التي اكتشفت بعد ذلك
أنها رائجة جداً.
هذه الصورة التي تكونت لدي عن الأهمية التي تحتلها الكلاب في
هذه المدينة هي ما جعلتني الآن في هذا الموقف.
جريمتي ببساطة هي أنني تسببت في تيتم هذا الكلب المسكين، لم
أتسبب في قتل أحد والديه بل مالكه لكنني حافظت على حياة الكلب على الأقل.
نعم أزهقت روحاً كان ذلك في عصر يوم هادئ أو هكذا بدا لي قبل
الحادثة فقد كنت أقود سيارتي في شارع شبه خالٍ عندما ظهر أمامي هذا الكلب ومالكه
ولولا ما سمعته عن مكانة الكلاب لكان من السهل عليّ تفاديهما معاً لكن ارتباكي نشأ
من علمي بعظم جرم قتل كلب مع إيماني بحرمة روح مالكه وذهني لم يكن قادراً على
إيجاد مخرج مناسب مضت
الأشهر التي أعقبت الحادث وأنا في عذاب فليس هناك أعظم من قتل النفس كما أفقدت
كلباً مسكيناً صاحبه على الرغم مما توافر له من خدمات فريق مختص فإن حنان صاحبه لن
يقدمه له غيره.
اتخذ القاضي مكانه فهبطت القاعة في عميق الصمت بدا لي صوتي
عالياً وأنا أحدث نفسي: جريمة قتل متكاملة الأركان الحكم فيها من اليسر بمكان،
ارتفع صوتي أو هكذا ظننت حتى صار صراخاً خشيت معه أن يؤثر على سير العدالة فحاولت
عابثاً خنق الصوت المتدفق في جهد أشبه ما يكون بمحاولة دفن بقعة ضوء، وكما توقعت
فقد تم النطق بالحكم سريعاً.
قال لي المحامي ونحن نستعد للمرحلة التالية وتقديم الاستئناف :
نحتاج التفاهم مع الكلب ؛ لذا كان هذا الخطاب:
سعادة الكلب المحترم……