البطء الذي تعالج به حكومة الدكتور عبدالله حمدوك بعض القضايا المُلحّة يراه بعضنا من الحكمة، بينما يراه آخرون تردداً، وعدم الحزم في أمورٍ لا تحتمل التأجيل.
من القضايا العالقة التي تستحق الحزم تطهير المؤسسات
من فلول النظام السابق، وكل الذين كانوا أعضاء في حزب المؤتمر الوطني، وأساؤوا
استخدام السلطة، فبطشوا بمن ليسوا على هواهم، سواء كان ذلك لأسباب تنظيمية أم
شخصية.
وهذا سبب رئيس للوقفات الاحتجاجية التي تشهدها قطاعات
واسعة، ولعل الموانئ البحرية من أهم المرافق التي ظلَّ عمالها يطالبون بالإنصاف،
حتى في ظل النظام البائد.
وتطرح وقفة هؤلاء قضية الهامش التي لم تكن تجد
الاهتمام، وكان سبباً رئيساً في لجوء بعض أهل الأطراف إلى رفع السلاح في وجه
السلطة المركزية، التي يعتقدون أنها لا تهتم إلا بالعاصمة وما حولها.
ولعل موقف أهلنا في الشرق الذي يطالبون بتوظيف أبنائهم
في مرفق يعدّ محورياً في اقتصاده يطرح أهمية اتباع سياسة جديدة في التوظيف تحقق الاستقرار لأهلنا
في الولايات جميعها، لتكون لأبناء الولاية الأولوية في التوظيف، تحقيقاً
للاستقرار، وتخفيفاً على العاصمة والمدن الكبرى التي تعاني سوء البنية التحتية،
والاكتظاظ، مما يخلق بيئة مواتية لانتشار الأوبئة الاجتماعية، والجرائم بكل
أنواعها.
وتمثل قضية التعدين العشوائي معضلةً كبيرةً على عدد من
المستويات، فعلى المستوى الاقتصادي تضر العشوائية التي يمارس بها التعدين بثروات
البلاد، التي ينبغي أن تحافظ عليها الدولة، وتستثمر فيها بأسلوب علمي ممنهج يحقق
المصلحة العامة، بدلاً من الأسلوب المتبع الذي يزيد الأغنياء ثراءً على ثرائهم،
ويهدر جهد الشباب وطاقاتهم، في ترسيخ واضح لمبدأ السخرة، ويصرفهم عن الأنشطة
الاقتصادية التي تدعم الاقتصاد الوطني، وتوفر الحياة الكريمة لهؤلاء الباحثين عن
الثراء السريع، ولا يعلمون أنهم يقدمون أنفسهم فريسةً لأصحاب المال، إذ لا ينالون
لقاء جهدهم غير مزيد من الأمراض، التي تودي في الأغلب بحياتهم.
وقد تعب المواطنون في كثير من الولايات من الشكوى من
الآثار البيئة والصحية السالبة للتعدين العشوائي، واجتهد كثير من أهل الاختصاص في
وضع الدراسات العلمية لضبط هذا النشاط بما يجنب العباد آثاره الخطيرة بيئياً
وصحياً واقتصادياً، ويحقق مصلحة البلاد.
وترافق مع هذا النشاط بعض الجوانب السالبة التي لا
تخفى على أحد، مثل زعزعة الأمن في القرى الآمنة، وحدوث مواجهات بين الأهالي
والمعدنين، إلى جانب جرائم القتل والسلب بسبب الجشع والضعف البشري أمام لمعان
الذهب.
إن عدم حسم قضية التعدين العشوائي يؤدي اليوم إلى
مشكلات كثيرة في الولايات، بسبب خوف الأهالي من الآثار البيئة والصحية التي
يلمسونها بوضوح، وتأخُّر الحكومة في حسمها ستترتب عليه شروخ اجتماعية سيصعب
معالجتها.
هذان مثالان على قضايا كثيرة عالقة تشعر المواطن بأن
شيئاً لم يتغير بعد، وخصوصاً أن فلول النظام السابق بدأت تلملم أطرافها، وتستجمع
قوتها، وتجرَّأ بعضهم بالظهور في الإعلام، ومنهم من ولغ في الفساد، وأصبح وجودهم
خلف القضبان مطلباً شعبياً، حتى ينالوا ما يستحقون من جزاء، بالقانون لا بغيره.
اصحِي يا حكومة هذا لسان حال الشارع.. فهل من مستجيب؟