كلُّ ثورةٍ لم يعقبها حسمٌ ثوريٌ فهي ثورةٌ كتعاء بتراء..
كان من المفترض أن تكون هناك مرحلةُ من الردعِ، والحسم الثوري تعقب إزاحة نظام الإنقاذ مباشرةً..إذ، وبموجب تلك الشرعية الثورية يتم حسم، وردع، وإجتثاث كلِّ نتوءات النظام الإنقاذي، القبيحة المتقيحة التي شوَّهت حياة الشعب السوداني الكريم لثلاثين عاماً متوالية..ثم، وعندما تأتي حكومةُ الثورة، بعد ذلك، تشرعُ في التمهيد العملي لبناء الدولة الديموقراطية الآتية، والتأسيس لها على أسس الحرية والديمقراطية والعدالة التي رفعتها شعاراتٍ، ونادت بها ثورة الشعب..ثمَّ، وفي أثناء بناء الدولة الديموقراطية، وإذا ما إضطرتها الظروف إضطراراً، ستمارسُ هذه الحكومة قدراً من الحسم، والإجتثاث، ولكن بموجب الإجماع الثوري هذه المرة، تماماً كالإجماع الثوري الذي تحتازُ عليه حكومة الدكتور عبد الله حمدوک حالياً..
لكن، ومن أسف، فإنَّ الحسم والإجتثاث المتوقعين لم يُقدَّر لهما أبداً أن يحدُثا، لأن المجلس العسكري الإنتقالي الذي خَلَف النظام البائد، كان لا يعدو أن يكون ظلاً للكيزان، وخيال مآتةٍ مستولداً من اللجنة الأمنية الأم التي كانت تحكم مع نظام البشير، وتسانده، وتقمع له خصومَه !!
الآن، ومن أسفٍ مجدداً، ولأن الحسم والإجتثاث الذيْن كانا متوقعاً لهما أن يُمارسا بموجب الشرعية الثورية لم يحدثا، فها هما يُرحَّلان، بكمالهما، وتمامهما، إلى حكومة الإجماع الثوري برئاسة الدكتور عبد الله حمدوک !!
وفيما نرى، وحتى اليوم، فإنَّ الدكتورة إنتصار صغيرون، وزيرة التعليم العالي، والبحث العلمي، هي الوحيدة من بين كل الوزراء، من تعرَّفتْ على دورِها باكراً، وبدقةٍ، ووضوح، وبدأت تمارسه، وعلى الفور، وبكلِّ حسمٍ، وهمةٍ، ومُضاء.. حتى صديقنا فيصل محمد صالح، وزير الإعلام والثقافة، لم يستطِع أن يتعرَّف بعد على هذا الدور، ولم يتبيَّن هذه المعادلة غير الصعبة!!
من عجبٍ، أنَّ أوجب من كانوا جديرين أن يُحسموا، ويُجتثوا من وجه الثورة، وبموجب الشرعية الثورية في مراحل الثورة الباكرة، وأولاً بأول، هم أوقح من يعاير الثورة الآن، ويضحك على وزرائها، ويسخر من قادتها، ومع هذا، يقول لهم صديقُنا فيصل محمد صالح، مع ما له من شرعيةِ الإجماع الثوري: إنه لا يملكُ لهم ضراً ولا نفعا، وأنْ أذهبوا وأنتمُ الطلقاء ! وهم طلقاء فعلاً الآن، فلا حُسموا، وأُجتُثوا باكراً بالشرعية الثورية، ولا لاحقاً بشرعية الإجماع الثوري، وهم في غيِّهم يعمهون !!