الدفاع الذي يتوافر لحسين خوجلي والمرافعة من اتحاد الصحفيين (غير المنحل حتى الآن) يوجه رسالة سالبة إلى الثورة ومرحلتها الحرجة الحالية.
الخصوم الإعلاميون يرفعون شعارنا، ويطالبون بتطبيق حرية سلام وعدالة عليهم تماماً مثل نافع على نافع الذي طالب بذلك من سجنه عند زيارة الأستاذة عائشة لهم.
الاعتماد المتكرر لخصوم التغيير بأن حرية سلام وعدالة عبارة عن شعار عام يصلح استخدامه وتوظيفه للدفاع عن المصالح المالية والتجاوزات القانونية التي قاموا بها لا أساس له من الصحة بتاتاً.
الحرية والسلام والعدالة مطالب رفعتها الجماهير إبان حراكها الثوري، وبالتالي ما قبل حدوث التغيير الجزئي للدولة العميقة. ولكن في سياق استكمال ثورتها لا بد من وضع المعالجات المالية التفصيلية الخاصة باقتصاد، وقوانين الإعلام بوصفه اقتصاداً وقوانين لا تزال تتغذى من ملكية السلطة والدولة السابقة المالكة لها.
خذ صحيفة كالراى العام يملكها كما هو معروف حزب المؤتمر الوطني بأسماء وهمية لبعض أعضائه غير المعروفين (كما تحريت من صحفيين يعملون بالصحيفة). وحسب الصحفيين الوطنيين، من هم هؤلاء الأشخاص؟ واين هم بعد التغيير؟ لا أحد يدري. صحيفة كالصيحة يملكها الطيب مصطفي كصاحب حزب سياسي مناويء للتغيير وما أدراك ما الطيب مصطفي.
صحيفة الانتباهة التي يملكها الصادق الرزيقي رئيس اتحاد الصحفيين، والمقاوم للتغيير والمعتقل لفترة في علاقته بمحاولة انقلاب بعد التغيير. صحيفة كالسوداني معروف أن مالكها جمال الوالي، وقد تم اعتقاله في الدفعات الأولى للمعتقلين والإفراج عنه فيما بعد.
القنوات التلفزيونية معلوم من هم مالكوها، وشروق تؤول ملكيتها إلى المؤتمر الوطني كذلك. اقول ان الدعوة لتصفية اقتصاد هذه المؤسسات لم تعن ابدا – كما فهمها قصيرو التظر – إزاحة العاملين والتخلص من خدماتهم، بل امكانية التعديل في ملكيتها، او استيعاب العمالة الوطنية منها في موسسات جديدة او مستحدثة بشروط عمل محسنة ذات مردود عادل ووفير.
اعود إلى مرافعة الاتحاد وأقول إن حسين خوجلي الذي عمل على تأسيس إمبراطورية إعلامية تحت أعيننا، وبأساليب تمويلية معلومة من رأس النظام السابق، وبنوك الغفلة، والقصر الجمهوري تم اعتقاله لفترة والتحقيق معه عن مبالغ وأرصدة مشبوهة دخلت في حسابه البنكي.
هذا الرجل ليس متهرباً ضريبياً فقط ولكنه متجاوز لأخلاق المهنة بما كاله من سب و شتيمة للشعب عشية سقوط البشير .
ما حاولت الكتابة عنه وأثار حفيظة البعض من سدنة النظام السابق هو قدح في طريقة التعامل الناعمة والمثالية التي واجهنا بها ونواجه هذه المدفعيات المضادة ليس بسبب سوى فهمنا للشعار الذهبي للثورة بأنه يجب أن يخدم الخصوم الإعلاميين.
الحقيقة الأخرى التي يسكت عنه بعضنا في المجالين الإعلامي والثقافي هي انه وطيلة حكم الإنقاذ نشأت شبكات اجتماعية محضة بين الموالين للنظام السابق ومناصري التغيير بنحو ما، حتى استطاعت خلق حالة ضخمة من السيولة الاجتماعية وعلاقات لا تخلو من الصداقة والمجاملة كتكتيكات سياسية اقتضتها شروط القبول بالهدنة، وتخفيض صوت المعارضة السياسية الجاهرة ما جعل السدنة يطالبون بعد التغيير إشاعة مضمون شعار حرية سلام وعدالة وتعميم صلاحيته لهم في غمط مباشر لحقوق الجماهير الثائرة والمطالبة بالتغيير الراديكالي وليس الجزئي .
نعم خضنا ثورتنا من اجل الحرية، ونريد ان نرفع رايات الحرية لنا ولسوانا. نعم أنجزنا بعض مهام ثورتنا سلمياً ونريد لها ان تستمر سلمية. نعم نرفع العدالة مطلباً استراتيجياً، ولكن من العبث ان نطبق كل ذلك بمفهومنا كضحايا قبل الثورة على من يعتبرون أنفسهم ضحايا لما بعد الثورة.
حسين خوجلي ومؤسسات الإعلام السادنة ومجتمع الإعلاميين السادن، ومجلس صحافتهم ومطبوعاتهم لا يمكن ان يكونوا ضحايا للتغيير بالقدر الذي هم مستهدفون به، وهذا ما يستوجب العمل بمقاومتهم قانونياً، والكشف عن خبايا اقتصادهم الى حين ستبلغ فيه الثورة امتلاك قرارها يلفظهم .
الثورة ليست كراسة امتحانات نجيب عن أسئلتها ونضع القلم، إنها عملية قاسية من السير لنيل المطالب، ومنها مطلب إنشاء اقتصاد إعلامي جديد ومنحاز لأهدافها، وإلا سنكون قد وضعنا العربة قبل الحصان.