لابد أن دكتور حمدوک يعلمُ تماماً، أن بلادَنا، وفي ظل نظام الإنقاذ البائد، كان قد أدانها العالمُ -بسبب سلوک حكومتها- بأكثرَ من خمسين قراراً دولياً صادراً من مجلس الأمن، ومن المنظمات الدولية المختلفة !!
لقد خلق هذا الوضع من السودان دولةً منبوذة، معزولة، ومارقة، يرأسُها رئيسٌ مطاردٌ دولياً، ومتهمٌ بإرتكاب أشد الفظاعات ضد شعبه..ولهذا فعندما يقف رئيس الوزراء حمدوک يوم الجمعة القادمة، مخاطباً الجمعيةَ العامة للأمم المتحدة، سيستمع العالم، ولأول مرة منذ ثلاثين عاماً لرئيسٍ سوداني، وربما تكون لبعض زعماء العالم الشباب هي المرةَ الأولى التي يسمعون فيها بدولةٍ إسمُها السودان !!
وسيكون على حمدوک، عندئذٍ، وبصورةٍ رئيسة، أن يعيد الإعتبار لدولته، والإحترامَ لشعبه، عند كل الشعوب ذات العضوية في منظمة الأمم المتحدة..
• لابد أن يقول د. حمدوک للعالم إنَّ البلادَ التي أتى منها، ويتحدثُ إليهمُ الآن بإسمها، هي بلادُ السودان، الواقعة في قلب إفريقيا، والمتجذِّرة فيها، والتي كانت محنطةً، وحتى ديسمبر الماضي، في ما وراء التاريخ، وهاهي الآن، وبعد ثورةٍ سلميةٍ، داميةٍ، ومظفرة، سمع بها كل العالم ، تقشعُ عن نفسها لُفافات التحنيط والتجميد، وتخرج لترى العالم، وليراها العالم، ولتكون جزءاً من العالم !!
• نريده أن يقولَ لقادة العالم إننا لسنا بإرهابيين، ولا نعرفُ الإرهاب، ولا نؤيده، وإننا لسنا متطرفين، ولا نعرفُ نزق التطرف، ولا مراراته، طوال تاريخنا، وطوال تاريخ التدين في بلادنا، وأننا أسمحُ شعوب الأرض، وأطيبها، وأكرمها، وأكثرُها تقبلاً للآخر، وترحاباً به..
• ولابد أن يقول د. حمدوك للعالم إن ثورة ديسمبر السلمية، التي إطاح بها شعبُنا نظاماً متجبراً، حكَمنا بالنار، والقهر لثلاثين سنة، كانت ثورةً سلميةً بالكامل، ولم يُسجَّل على ثوارها أبداً أنهم قتلوا أحداً، أو إعتدوا على أحد، أو نهبوا ممتلكات أحد..وأن النظام المُباد ظلَّ، مع ذلك، لا يقابلُ الثوار وقتئذٍ، إلا بالقتل، والسحق، والسحل، حتى أنهار من شدة ما بَذل من جُهدٍ في القتل، والسحق، والسحلِ، والتمزيق!!
إنها الثورةُ السباقةٌ في التاريخ، والأولى في مجراه الطويل التي تهزم جلَّادَها فقط بسلميتها، فينهار من تلقائه، من شدة رهقِ القمع، والقهر، والتقتيل !!
• لابد أن يقول د. حمدوک للعالم إن بلادنا ترقدُ على كنوزٍ عظيمةٍ من الموارد الطبيعية، والعطايا الربانية غيرِ النافدة، وتذخرُ بإنسانها الكريم العزيز ذي الشهامة العالية، وأنها الآن، ومن هذا المنبر العالمي المرموق، تمدُ رغباتِها، لا أياديها، لكلِّ الشعوب الراغبة في التشارك المُنصف، والإستثمار المتكافئ، وبالنِّدِّية المتساوية، المتكافئة..
وأنَّ شعوب بلادنا منفتحةٌ على العالم أجمع، بلا قيود، اللهم إلا قيود المصالح المتبادلة المتوازنة..
• لابد أن يقول د. حمدوک للعالم إن بلادنا تخطو الآن إلى عصرٍ جديد، وبرؤيةٍ جديدة، على متن تطلعاتٍ عصريةٍ، كبيرةٍ وجديدة..ولهذا فلابد أن يفُك العالمُ عنها كلَّ قيود الحصار والتطويق، بكل أشكالها، والتي كان العالمُ قد قيَّد بها النظام السابق وحاصرَه..وإنَّ بلادنا ترغبُ الآن في الإندماج في العالم المتحضر، وفي مواكبة ركب الحضارة الإنسانية، المعاصرة، والمتسارعة..
وأنه لن يتم لها ذلك ما لم تقف إلى جانبها الشعوبُ الراغبةُ في الحرية، والنماء، والمحبة والسلام..
• لابد أن يقول د. حمدوک للعالم إننا أمةٌ متحضرةٌ، وشابةٌ، وناهضة، وضاربةٌ في أعماق التاريخ..وأننا نتاجُ موالفةٍ ذكيةٍ من الحضارات العربية، الإسلاميةِ المسيحيةِ، الإفريقيةِ، النوبيةِ، النيليةِ، الكوشيةِ، الفرعونيةِ العريقة..
وأننا في حاضرِنا تجري في دمائنا كلُّ إنتماءات وثقافات العالم القديمة، والحديثة، على أننا، مع ذلك، نبقى الأمةَ السودانيةَ، الواحدة، الموحَّدة المتفردة، ذات التاريخ الباذخ..
• ولابد أن يقول د. حمدوک للعالم كذلك، إننا ننظرُ إلى الحضارة الغربية بإحترام، وإلى إنجازاتها، وإكتشافاتها بإعجاب، ولكننا، كذلك، نفخرُ بثقافاتنا، بكل ما تحمل من تنوعٍ، وتباينٍ، ومحافَظَة.. وأننا نعتدُّ بتلك الثقافات، ونفاخرُ بها بين الأمم..ونتطلع في ذات الوقت إلى أن نتمازج مع الآخر أخذاً، وعطاءً بكل تقديرٍ، وإحترامٍ، وبلا هيمنةٍ، أو سيادة..
• وآخيراً، فلابد للرئيس حمدوک أن يُخبرَ العالم كلَّه أننا دولةٌ مسالمةٌ، ومخبةٌ للسلام، ولا تتدخلُ في شأن أحد، وترغب ألا يتدخل في شؤونها أحد، وأنها تحترم سيادة كل الدول، وترغبُ أن تحترم سيادتَها كلُّ الدول.. وأنها تسعى الآن لأن توطِّد لحكمٍ مدنيٍ، ديموقراطيٍ، راشد، أساسُه المواطنة المتكافئة، ورأسُ سنامه الحرية، والعدالة، والمساواة، فوق ترابٍ يسعُ الجميع، دون حجرٍ، أو محاباة، أو تحيُّز على أيٍ أساسٍ من أسس التفرقة المعروفة بين البشر مطلقاً..