هناك أمران مقلقان للغاية، وفي كليهما قوى الحرية والتغيير معنية بهما أكثر من غيرها. الأول يتعلق بالتسويف في تعيين رئيس القضاء، والنائب العام، والثاني بالوثيقة الدستورية المشتبه أنها زُوِرت. ولئن ثارت الجماهير لتحقق كامل الشفافية فإننا حتى الآن لم نتحصل عليها في ما خص الموضوعين الجوهرين. فقد نبهنا الأستاذ نصر الدين عبد الباري وزير العدل أنه اكتشف نسختين رسميتين للإعلان الدستوري بينما لا ندرك حتى الآن ببيان، أو تصريح صحفي، سريان إجراءات تعيين رئيس القضاء والنائب العام، خصوصا أن العدل أساس الحكم، وهذان المنصبان المهمان يتعلقان به.
أي أن لا ولاية تنعقد لحكومة، وهي تهمل هذا الشرط الأساسي للحكم. وعلى ما في وجود شخوص العدل الذين ورثناهم من ملمح لعدالة عرجاء، بدليل أن السجون خالية من المفسدين وأن البشير يُستجوب في القفص تمثيلا، فإن ثورتنا الفتية نشدت تثوير العدالة لتقابل ما هو منتظر من ملفات تقاضي حساسة، وضرورية، وخطيرة. وناهيك عن الجرائم المتصلة بالادعاء بوجود إبادة جماعية أو عدمها، فإن بنية العدالة في بلادنا – والبرهان يعلم وحمدوك نفسه يعلم – تستوجب الإسراع بتعيين رئيس القضاء، والنائب العام، اللذين حين يدخلا مكتبهما يعرفان مع وزير العدل أن هناك وثيقة واحدة يستندون عليها، وليست هما وثيقتان متضادتان، بمعنى أن واحدة هي الحق، والأخرى هي الباطل، إذ حُشيت بمادة، أو مادتين.
وسط هذا التعتيم المقصود، أو غير المقصود، نخشى القول إن قحت أصابها القحط، وبالتالي تنصلت عن تنويرنا بسر يعرقل شغل المنصبين بشخصين ممتازين مثل مولانا عبد القادر محمد عبد القادر، ومولانا محمد الحافظ. والرجلان شُهد لهما بالوطنية، والنزاهة، والكفاءة. فضمن ما هو مسرب أن المتهم في هذا التسويف، وذاك التزوير، هو المجلس العسكري المنحل، أو المحلول لا يهم. فمن جهة نُشر أنه يسوف في أمر الموافقة على تولية مولانا عبد القادر شؤون القضاء، ومن ناحية ثانية أنه زور في الإعلان الدستوري بليل لضرورات كسب النفوذ على حساب المدنية. ولأن كل ما في الميديا الجديدة ليس كذبا فإننا كنا ننتظر من المسؤولين عن مطبخ قحت أن ينوروا الرأي العام بما جرى، بدلا عن وقوفنا على تسريبات لوم إزاء ابتسام، وساطع. فالمسؤولية جماعية ومن حق تنسيقية قحت، أو أصحاب الجلد والرأس فيها، أن ينوروا المواطنين في زمن اعتقدناه للشفافية. والشعب السوداني، طبعا، يستحق أن يُحترم، ويكون في الصورة، بدلا عن تركه نهبا لتسريبات وسائط التواصل الاجتماعي التي فعل فيها الجداد مفعلا.
الشاهد أننا لو فجعنا في بطء إجراءات الحكومة لاتخاذ قرارات تصحيح تتماشى مع الزخم الثوري فينبغي ألا نفجع يوما في تعيين رئيس قضاء، ونائب عام، وديعين في التعامل مع تركة المشروع الحضاري. ولذلك ينبغي على قحت، أو أي مسؤول شجاع فيها- بناءً على ما جاء في مقالة الزميل فتحي الضو الأخيرة – أن يخرج من صمت الجماعة، ويوضح لنا الأسباب التي تمنع عدم الوضوح في تبيان التسويف، والتزوير، المتعلقين بتوظيف ذينك الرجلين الممتازين، وبوجود يد آثمة امتدت للوثيقة فأضافت أو حذفت فيها.
لقد سيرت قحت نفسها مسيرة مليونية لدعم تعيين رئيس القضاء دون أن تحدد للرأي العام ما إذا كان الرفض صدر رسميا – أيضا – من مجلس السيادة الذي حل محل العسكري. وما الذي يمنع من توضيح الحقائق حول كيفية الاعتراض على الشخصيتين، وأسبابه، ومن هم المعترضون تحديدا من العسكر؟ أما بخصوص وجود وثيقتين واحدة دستورية، والأخرى غير ذلك، فإن قحت بحاجة لإصدار بيان لتوضيح الحقائق خصوصا بعد تصريح وزير العدل الذي اكتشف لنا الوثيقة الأخرى. على كل حال، نأمل ألا تكون قحت قد استجابت لاعتراض بعض العسكر على مولانا عبد القادر، ومحمد الحافظ، وتحاول الآن اختيار شخص آخر للقضاء هو وديع، ومرضٍ لعبد الفتاح البرهان كما قالت التسريبات. وسننتظر الزمن ليحسم أمر الحقائق حول الموضوعين، إذا لم يتبرع المتحدث باسم التنسيقية بتوضيح الحقائق الآن. والآن وحده.