الفرنسي ألفريد سوفيه هو من ابتكر لقب (دول العالم الثالث)، و يعود ذلك إلى منتصف القرن الماضي، و وصف ألفريد سوفيه دول و شعوب هذا المستوي بعدة صفات أبرزها، الفقر وارتفاع عدد المواليد والسكان في وسط فقير، وارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن تفشي الأوبئة والأمراض، والاعتماد على المنح و الدعم من الدول الأخرى الكبرى، والبعد عن النشاط الصناعي المنتج والعيش على النشاط الرعوي، وعدم الاستقرار السياسي وغياب الكفاءات والخبرات، وتفشي الأمية و شيوع الهجرة إلى المدن، وضخم الديون وارتفاعها والافتقار إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، واللجوء إلى تصدير المواد الخام و الاولية الموجودة في اراضيها، وضعف المبادرة و المثابرة في السكان .
لا شك أن الصفات أعلاه جميعها منطبقة علينا، بل يصلح السودان أن يكون مثالاً معيارياً لدولة العالم الثالث وفق وصف ألفريد سوفيه، وجودنا ضمن العالم الثالث يصنفنا كدولة فاشلة ومتخلفة، و يهدد أي أمل مستقبلي لنا في الحياة الكريمة اذا استمرت هذه الصفات اعلاه كجزء من تكويننا الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي.
العمل على التخلص من هذه الصفات السالبة هو العمل الذي ينتظر الجميع (معاً) ، ثورة ديسمبر كانت أولى محطات تخلصنا من أزمة عدم الاستقرار السياسي، وذلك بالتحول من الشمولية نحو الديمقراطية ، كما انها من خلال الحكومة الانتقالية حاولت أن تعيد الكفاءات و الخبرات إلى موقع صناعة القرار، و لكن يبقى هناك صف طويل من الأمراض الموروثة من نظام البشير ومن التاريخ السياسي السوداني يحتاج إلى مزيد من الجهود والعمل المضني المشترك.
تجربة الإنقاذ قدمت درساً بليغاً مفاده أنه لا يمكن لجماعة منفردة و حزب واحد ان يقودوا الجميع ، و ان الشراكة هي الطريق الوحيد للتخلص من مشاكل الوطن ، و هذا ما يحتاج وحدة الجميع و تكاتفهم و تخلصهم من الأنانية و الاثرة ، و تقديم الوطن على الحزب ، و تقديم العام على الخاص
النهضة و الخروج من قاع دول العالم يحتاج إلى مساهمة كل فرد في اي بقعة من تراب الوطن، كل مواطن عليه أن يضلع بدور، الأدوار ليست حصرا على السياسيين والاقتصاديين، بل هي للجميع، منظمين وغير منظمين ، رجالا ونساءً، شيباً و شباباً، متعلمين و أميين، كما أنتج هذا الشعب ثورة فريدة ساهم فيها كل مواطن بدور، فإن البناء كذلك يحتاج مساهمة الجميع.
اذا اردنا وطناً واحداً يضم الجميع في رخاء و سلام فهناك عاملان مهمان يلزم التخلص منهما واولهما ان نقلل قدر الإمكان من بريق السلطة وان نجعلها مجرد وظيفة مقيدة باغلال قانونية متعددة لا يصل إليها شخص الا عبر الكفاءة والانتخابات ولا يعمر شخص مهما بلغت كفاءته في مناصبها و الحرص على تداولها سلميا، و ثانيهما ان نجعل من المعارضة مسؤولية و ليس عداوة مع السلطة.
لقد قام الشعب من قبل بثورتين في أكتوبر ١٩٦٤ و أبريل ١٩٨٥ و لكن الصراع من اجل السلطة وإرادة الانفراد بها أطاح بهما في كل مرة، لذلك نحتاج إلى أن نتحد لنغلق هذا الباب بعد ثورة ديسمبر، نحتاج إلى أن نجعل من كرسي السلطة مقعداً من نار، لا يجلس عليه إلا الأقوياء الأكفاء الذين لا يظلمون الشعب و لا يقهرونه، فهذا هو الدرب الذي سيقودنا الى الخروج من دول العالم الثالث، الدرب شاق وصعب ولكنه مازال ممكنا فهل نحن مستعدون؟
sondy25@gmail.com