سارعت بعض القوى السياسية والأفراد والجماعات في الإعلان والاعلام عن مرشحين لمناصب الولاة في الولايات فى الوقت الذي لم يتم الاتفاق فيه على التدابير اللازمة للاختيار وإعلانه.
حملت الأنباء أن الولاة العسكريين المكلفين طالبوا بالإجماع
خلال اجتماعهم مع وزير الحكم الاتحادي مجلسي السيادة والوزراء بإعفائهم من مناصبهم،
وتعيين ولاة مدنيين؛ ليتمكنوا من العودة إلى قواعدهم العسكرية وصف أن تكليفهم ألقى
بظلاله على قواعدهم.
هذان الموقفان جانبهما الصواب في ظل الظروف السياسية
الحرجة التي يمر بها السودان، واستحقاقات الانتقال إلى السلطة المدنية؛ حفاظا ًعلى
مكتسبات الثورة.
مطالبة الولاة العسكريين بإعفائهم في ظل هذه الظروف
تثير مجموعة من الأسئلة: لماذا المطالبة في هذا التوقيت بالذات وبالإجماع؟ ولماذا
لم تتم المطالبة عبر المكون العسكري في مجلس السيادة مباشرة لكونه الجهة التي قامت
بتكليفهم، أو من خلال قيادة القوات المسلحة وفق متطلبات الانضباط العسكرى والمرجعية
الوظيفية؟ أم أن الأمر متفق عليه بين هؤلاء الولاة ومرجعياتهم، ولأسباب لا يودون
الإفصاح عنها رؤي تمريرها عبر الاجتماع مع وزير الحكم الاتحادي؟ ولماذا يتم كل ذلك
في ظل وضع لم يتم فيه حسم تدابير تعيين الولاة المدنيين وفق متطلبات الوثيقة
الدستورية؟
بعض التسريبات تشير الى أن المكون العسكري في مجلس
السيادة ومعهم الولاة المكلفون غير راضين عن الأسلوب والطريقة التى تتعامل بها قوى
الحرية والتغيير مع الأوضاع الراهنة، باعتبار أن لجان قوى الحرية والتغيير في
مختلف الولايات تتدخل بشكل مباشر في الأعمال الحكومية الرسمية دون تفويض لها، ودون
صفة قانونية، بل تتحدث باسم الدولة في مشهد يقود إلى الفوضى والعبثية، إضافة إلى قيام
بعض مكونات الحرية والتغيير بتسيير مواكب الضغط والمواكب المطلبية التى تعطل أعمال
المسؤولين، وهذا ما يجعل من الصعوية بمكان تمكين الولاة والإدارات المحلية من
القيام بمهامهم، والسير قدماً نحو الانتقال إلى الدولة المدنية.
ومهما كانت المبررات، فإن القضايا لا تُحل بممارسة
الضغوط على الشركاء، ويجب أن تتم بالحوار المفيد والمنتج وهي مسؤولية وطنية يجب أن
يسعي إليها الجميع.
لم يتوصل الطرفان، قوى اعلان الحرية والتغيير والمجلس
الانتقالي إلى اتفاق بشأن حكم الولايات وتعيين الولاة رغم أهميتها، وفي ظل الضغوط
التى تعرضا لها من الشارع، ومن الوسطاء في أثناء التفاوض اضطرا إلى توقيع الوثيقة
بالأحرف الأولي للانتقال لتشكيل الحكومة.
وحسبما ورد من
نصوص بالفصل الثالث من الوثيقة الدستورية، المادة 9 (ب) الخاص بالحكم على المستوى
الإقليمي أو الولائي، والفقرة (ج) من المادة ذاتها الخاصة بمستوى الحكم المحلى
الذي يعزز المشاركة الشعبية الواسعة، ويعبر عن الاحتياجات الأساسية للمواطنين، فإن
جميع هذه الأمور تركت لتدابير يتم الاتفاق عليها لاحقاً.
وللأسف، وحتى
اللحظة، فإنه لم يتم الاتفاق على التدابير المشار إليها في الوثيقة بين الطرفين رغم
أهميتها، مع انشغال بعض قوى الحرية والتغيير والأفراد والمجموعات في محاولاتهم بتسويق
مرشحين للولاة في غياب شكل هيكل الحكم في الولايات، ومتطلبات الترشيح للمنصب،
الأمر الذي يخلق تضليلاً للرأي العام لا معنى له، وهو أمر سابق لأوانه.
إن المطلوب هو أن تتوجه جهود قيادة قوي الحرية
والتغيير والحكومة إلى معالجة جوهر الموضوع بشكل عاجل بالاتفاق حول التدابير
الخاصة بحكم الولايات ومتطلبات ترشيح الولاة؛ لضمان الانتقال الكامل للسلطة
المدنية بأسرع وقت ممكن، وتحديد آلية الترشيح؛ لضمان تقديم المؤمنين بمبادئ وأهداف
الثورة المجيدة، ومن الأكفاء ذوي الهمم العالية القادرين على العطاء، وإدارة
الولايات المعنية بالشكل المطلوب.