أحدث نسخة من الثورة الشعبية المستمرة في السودان تجري فصولها الآن في (صواردة) وادي عبقر الشمال الأقصى.. أجبر الثوار مصنع التعدين سيء السمعة على الرحيل بعد سنوات من الشد والجذب كان يستقوى خلالها أصحاب المصنع بمؤسسة أمن نظام الإخوان المخلوع!! يعني بالعربى إغلاق منفذ للسيانايد والزئبق كان يسمم الأرض والزرع والنبات والجماد، ويفسد البيئة، ويلوث مياه النيل العظيم، ويقضى على أسماكه.
وما كان هذا ليحدث لولا عزيمة رجال صواردة وإصرار نسائها ولولا الوعي الذي شيد بناءه الحادبون على طول المنطقة بصبر وأناة. بخروج المصنع العشوائى يهنأ العملاق محمد وردى فى مرقده وتقدل روحه الملهمة في ربوع القرية الحالمة حاملة الطباشيرة باليد اليمنى والطمبور باليد اليسرى!!
شيء بسيط جداً هو الدافع الأساسى لجبهة الرفض والممانعة ضد التعدين العشوائي في المنطقة .. وهو بالطبع ليس تلك الأسطوانة المشروحة عن رفض التنمية التى كان يدورها أزلام الرئيس المخلوع بمناسبة أو بدون مناسبة .. ولا أننا نهوى المعارضة من أجل المعارضة.
الدافع الرئيس كان ولايزال الارض ثم الارض ثم الارض – ثم تاتي بعدها جملة دوافع شديدة الأهمية – أرضهم وهم أحرار في كيفية الاستفادة منها، وكيفية المحافظة عليها وتسليمها للأحفاد كما هي .. هي أرضهم التى لا يخونون بل يشهرون نبالهم لرمى أحداق من يعتدي عليها إذا لزم الأمر … أرضهم التى يعشقون، وفي الذاكرة الجمعية للمنطقة ليس بمقدور أحد ان يورث أرضاً فشل فى المحافظة عليها!
طالبنا الناس مراراً من قبل أن يحذوا حذو صواردة في تنظيم المقاومة الشعبية التى تغير الباطل باليد ..كل في قريته المتضررة من السموم وتحت مظلة جبهة واحدة للمنطقة كلها، لكن أغلب الناس فضل أسلوب النواح وبث الشكاوى على انفراد، وكان روحاً خارقة ستنوب عنه،م وتفكك تلك المصانع وترحلها بعيداً عنهم! ولو كان لي أن أهمس فى أذن هولاء الثوار الأنقياء فى صواردة لطلبت منهم تسجيل هذه الأرض ( تمتد من حرم القرية لمسافة 30 كلم شرقاً) رسمياً باسم جمعية تعاونية تضم كل سكان القرية لكي لا يتغول عليها المستهبلون مستقبلاً، وابتكار وسائل جديدة لاستثمارها !!
لقد ولى عهد اللكلكة وانتظار المنقذ المأمول .. بات ضرورياً الانتباه: خلفكم مصانع الدمار وأمامكم متلازمة صواردة فاي الطريقين ستختارون؟! .. خلفكم سكة الموت المجاني وتشويه الأجنة و تدمير البيئة وأمامكم سكة عمالقة القوافي وأمراء الطرب بورودها ورياحينها فأي الطريقين ستختارون؟!
من الآن فصاعداً وجب على النشطاء عمل علامة X على بند محاربة التعدين العشوائي في برنامجهم، لأن علاجه الناجع بات متوافراً في الصيدليات، وتوفيراً للوقت والطاقة ينبغى التركيز في باقى البنود الملحة في اجندة الكفاح من أجل الجماهير .. بالنسبة لي سيكون من قبيل السفه الاستماع الى من يبث شكاوى جديدة عن التعدين العشوائي، وسيكون الرد الحاسم جاهزاً:
أيدك تغلب أجاويدك أو صواردة حبة عند اللزوم!!
قولوا معي بورك في يد الجماهير الباطشة !!