المجلس التشريعي الانتقالي يشكل صمام أمان الفترة
الانتقالية، إذ تشير الفقرتان (١) و(٢) من المادة (٢٤) من الفصل السابع من الوثيقة
الدستورية إلى المجلس التشريعي الانتقالي على أنه سلطة مستقلة تقوم بالدور
التشريعي والرقابي في أثناء الفترة الانتقالية، ولا تتجاوز عضويتها الثلاثمئة عضو،
وتمثل كافة القوى التي شاركت في التغيير، مع التمييز الإيجابي للمرأة بتمثيلها
بنسبة لا تقل عن ٤٠٪ من مقاعد المجلس، وقد تم استثناء المؤتمر الوطني والقوى التي
شاركته السلطة حتى لحظة سقوطه من التمثيل في المجلس.
أما المادة (٢٤) (٣) من الوثيقة فقد فصلت نسب التمثيل
بمنح القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير نسبة ٦٧٪ من المقاعد، مع تخصيص
نسبة ٣٣٪ للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، وترك أمر تسمية تلك
القوى، وتحديد نسب مشاركتها للتشاور بين
إعلان قوى الحربة والتغيير والأعضاء العسكريين في مجلس السيادة.
تنفيذ هذا النص ستواجهه
بعض العقبات أولها الكيفية التي سيتم بها توزيع نسبة الـ ٦٧٪ من المقاعد بين القوى
الممثلة لقوى إعلان الحربة والتغيير، مع عدم وجود معايير واضحة متفق عليها حتى
الآن يمكن الاستناد إليها، وفي ظل بروز خلافات بين بعض أطراف التحالف حول قضايا أقل
أهمية من مسألة التمثيل بالمجلس تتعلق بهيكلة قوى الحرية والتغيير، ونسب التمثيل
في لجانها، وهذه أمور غير جوهرية مقارنة بموضوع التمثيل في المجلس التشريعي.
إن المؤشر الأساسي لصعوبة الاتفاق في أمر التمثيل في
المجلس هو ما وضح للعيان من خلال تكتل بعض مكونات الحرية والتغيير في الترشيحات
لمجلسي السيادة والوزراء، وما يجري من تهافت الآن من بعضهم في الترشيحات لمناصب
الولاة في وقت لم يتم الاتفاق على أسس ومعايير الاختبار نفسها.
ومن اهم التحديات في طريق اختيار عضوية المجلس
التشريعي تسمية القوى الأخرى التي ستمثل نسبة الـ ٣٣٪ من المقاعد، والكيفية التي
سيتم بها تحديد نسبة مشاركة كل منها، وهو الأمر الذي تُرك الاتفاق حوله ليكون
بالتشاور بين قوى إعلان الحرية والتغيير، والأعضاء العسكريين في مجلس السيادة.
لقد كان من المهم بدءاً الاتفاق على الأطراف التي لها
حق المشاركة من غير قوى الحرية والتغيير، كما أن حصر التشاور بين قوى إعلان الحرية
والتغيير والجانب العسكري من مجلس السيادة، واستبعاد المكون المدني من ذلك لم يكن
موفقاً، إذ إن مجلس السيادة شخصية اعتبارية تمثل السلطة السيادية الأعلى في الدولة،
ولا يجوز تقسيم صلاحياته بين مكوناته.
وبما أن الحكومة في شقيه السيادي والتنفيذي مكون من ذات الأطراف، كان من الطبيعي أن يوكل هذا الأمر لمجلسي السيادة و الوزراء بدلاً من الرجوع للوراء لما قبل الاتفاق على الوثيقة الدستورية
وهناك تحد آخر سيواجه التشكيل وهو ما يتصل ببعض
المجموعات التي نصّ على تمثيلها بموجب المادة (٢٤) (٥)، إذ ينصّ على مراعاة تمثيل
مكونات المجتمع السوداني بما فيها القوى السياسية والمدنية والمهنية والطرق
الصوفية والإدارات الأهلية والحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على إعلان قوى
الحرية والتغيير وغيرها من مكونات المجتمع السوداني.
من المهم بالطبع أن يكون التمثيل في المجلس واسعاً
وشاملاً لأكبر قدر من المكونات المجتمعية، وقد لا تكون هناك إشكالية كبيرة أو
صعوبة في تحديد وتمثيل القوى السياسية
والمدنية والمهنية والحركات المسلحة الموقعة على الإعلان، ولكن إذا نظرنا إلى
مجموعة المكونات الأخرى المشار إليها في نص المادة، التي تشمل الإدارات الأهلية
والطرق الصوفية والحركات غير الموقعة على اعلان الحرية والتغيير، ومن أُشير إليهم
بغيرها من مكونات المجتمع السوداني سنجد أن هناك ثمة مشكلات وتعقيدات ستظهر حول
تمثيل هذه المجموعات يصعب معها الاتفاق حول من يمثل ماذا وكيف، وما هي المعايير
التي يتم الاستناد إليها في المرجعيات والتمثيل.
لقد مضى الآن أكثر من ثلث المدة المقررة لمباشرة
المجلس التشريعي لأعماله، ولم يبدأ بعد اتخاذ أي إجراءات أو خطوات للاتفاق حول
تفاصيل تكوين المجلس، الذي لن يكون سهلاً في ظل التعقيدات والتحديات السياسية الماثلة.
إن المجلس
التشريعي هو الجهاز الانتقالي الأوسع تمثيلاً لقطاعات الشعب السوداني والموكل إليه
المسؤولية التشريعية والرقابية على الحكومة وهو الحارس والضامن الأساسي لمسيرة
الفترة الانتقالية، وعليه مسؤولية الحفاظ على مكتسبات الثورة؛ لذا يجب على الحكومة
وقوى إعلان الحرية والتغيير التحرك السريع لمواجهة التحديات التي تواجه تشكيل المجلس،
والوفاء بالاستحقاق الدستوري الذي يضمن مباشرة المجلس التشريعي لمهامه في التوقيت
المحدد حسب متطلبات الوثيقة الدستورية.
والله ولي التوفيق.