لا أنكر انني وجدت صعوبة في هضم هذه الرواية رغم اسمها الرومانسي، وأنها نالت جائزة بوكر العربية عام 2011م، وكاتبها صحافي كبير رأس تحرير عدد من المجلات والملفات الثقافية، وأصبح وزيراً للثقافة والإعلام في بلده.ع
رف مؤلف الرواية محمد الأشعري بطلها باسم يوسف الفرسيوي من أم ألمانية انتحرت بعيداً عن الأضواء من مرتفع شاهق في الطريق الجبلي، تزوج من بهية وأنجب منها ابنهما ياسين، لكنه في مرحلة لاحقة رفض تلبية رغبتها في الإنجاب، وطلقها لتتزوج من صديقه أحمد أمجد.
بدأ حياته منتمياً إلى مجموعة يسارية متطرفة لكن ابنه استشهد في اتجاه آخر تنامى في أعقاب تراجع المدالقومي واليساري، وظهور جيل جديد من الأطر والمقاولين وأصحاب المهن الحرة يجسد حياة غاية في الخفة على حد تعبير بطل رواية ” القوس والفراشة”.
بطل الرواية لم يسلم من آثار هذه الحياة غير الملتزمة بالقيم والتقاليد والأعراف المرعية خاصة في علاقاته النسوية، من دون أن يمل السعي الدؤوب من أجل اكتشاف ما جرى وما يجري، ليس ابتداءً من استشهاد ابنه ياسين وليس انتهاء باختفاء باخوس وعصام من بعد.
يدخل البطل في حالات شبه مرضية يجد نفسه فيها يتحدث مع والده الفرسيوي تارة ومع ابنه ياسين تارة أخرى .. ويظل يبحث عن الحقائق الغائبة وسط عالمه المتخيل.
لن أُدخلكم وسط الأحداث والمواقف المحشودة عشوائياً في الرواية، لكنني ساتوقف معكم عند بعض المحطات المفصلية في حياة البطل المضطربة منذ أن استشهد ابنه ياسين حتى لقائه الدرامي مع عصام في ختام الرواية.
يقول البطل عن لحظة الصدمة الأولى في حياته : بدات أستقبل تدريجياً الأشياء بعدم إحساس كما يخفت الضوء إلى ان تطبق العتمة، لكنه كما أخبره ابنه ياسين في لقاء من لقاءاته المتخيلة لن يتوقف عن الحفر والبحث في الأنقاض.
قال له ياسين : إنك لن تتوقف عن الحفر في هذا القبر .. ستتبع خطى أجدادك الحفارين، ربما استخرجت مدينة من أحشائك، وربما وقعت على شعر ضائع في هذه الخرائب التأريخية.
هكذا يظل بطل الرواية كما قال ياسين يحفر ويبحث بلا ملل عن حقيقة ما جرى وما يجري إلى ان التقى بعصام في ختام الرواية “في لحظة انفصل فيها عن الارض ليستدير الشخص الذي كان يلهث للحاق به برأسه كاملاً نحوه، ويرى خلف اللحية الكثة، والنظرة الحادة، وجه عصام مرعوباً.
كان ذلك قبل أن تأخذهما غيمة بيضاء باردة في دويها الهائل..عفواً .. هذا ما تيسر لي كتابته عن هذه الرواية التي نجح مؤلفها في التعبير عن المتغيرات الدرامية في المحيطين الإقليمي والدولي والتي مازالت تهدد أمن وسلام العالم، مع سبق الإصرار التعمد من تجار الحروب الذين يؤججون نيران الفتن في بلادنا .. وبعض الحكام يدفعون لهم من ثروات الشعوب المتضررة من هذه النزاعات والحروب المصنوعة فوقياً.