اعتداء فريق تأمين رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك على صحفي أو صحفيين أرادوا تغطية المؤتمر الصحفي الذي أقيم في مطار الخرطوم لدى عودته من الجولة الخارجية التي شملت مشاركته، ممثلاً للسودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم زيارة فرنسا ولقاء الرئيس ماكرون، يعدّ أسوأ ختام يمكن أن يتصوره عقلٌ لجهد كبير قام به الرجل، ومثّل فيه السودان خير تمثيل، وكانت الصحافة ووسائل الإعلام عموماً هي التي أبرزت هذه الجولة وتناولت نتائجها بالتعليق والتحليل، وكان كلُّ حديثها أو جلُّه إيجابياً، ودعماً كبيراً له، وهو يستهل مشواراً صعباً فيه كثيرٌ من التحديات والصعوبات.
لهذا لا يستقيم عقلاً أن مكتب رئيس الوزراء هو الذي
حدد ست مؤسسات إعلامية، وبعض الصحفيين أصحاب الحظوة ليقوموا بتغطية المؤتمر
الصحفي، في حين حرم الآخرين، في تمييز –إذا كانت المعلومة صحيحة- يمثِّل قمة الغباء،
وعدم إدراك أهمية الإعلام في نقل الأحداث، وإبراز الحقائق، وكسب الرأي العام.
والأعجب أن يأتي هذا التصرف من فريق عمل حمدوك الذي ظلَّ
منذ أول خطاب له يؤكد أهمية أن يحمل الإعلام معه المسؤولية، معرباً عن أهميته
وقيمته في إرساء دعائم الديمقراطية.
وقد اعتذر حمدوك بالفعل عن هذا السلوك غير الحضاري من
الأمن، وقال: “نعتذر بأشد العبارات، ونحن في بداية الديمقراطية وهذا طريق صعب
يتطلب أن نعمل جميعاً لخلق مناخ ديمقراطي، وندير خلافاتنا بطريقة مدنية”.
وهذا الاعتذار لا يفيد، ما دمنا سنعمل بلا مبادئ ومعايير
تؤطر العلاقة بين السلطة والإعلام، وسيظل الرجل يعتذر كل يوم، وسيتسمر الصحفيون في
تلقي الإهانات بصنوفها، وهم يؤدون رسالتهم التي أكدت الثورة قدسيتها، وجعلتها في
مقدمة أهدافها وشعاراتها، إذ تمثِّل حرية الرأي أهم الحريات التي تكفلها الأنظمة والقوانين
في أي دولة متحضرة.
إنَّ ما قام به رئيس الوزراء وفريقه خلال جولتي
نيويورك وباريس من جهد دبلوماسي راقٍ، بعد سنوات الانكفاء والانزواء هناك من يحاول
أن يبعد الأنظار عنه، وينال منه، بسبب ما جرى من مقارنات بين عهدٍ بائد بائس وعهدٍ
يبدأ خطواته الأولى بقوة، وهذا هو الحرس القديم الذي يريد تشويه الديمقراطية،
ويظهرها بمظهر الفوضى، ويريد في الوقت نفسه تأكيد أنه ما زال مسيطراً على الوضع.
وما ظهر في المؤتمرِ الصحفي من عنفٍ لفظي وجسدي يبرز
أن هناك ممارساتٍ أعنفَ تجري وراء الستار، وأنَّ الأمن ما زال يمارس سطوته على المواطنين،
ويرتع كما شاء له. وتوضح أخبار الولايات وما يتناقله المواطنون من أحداث ووقائع قوة
هذه السطوة، التي لا يمكن حدّها ما دامت الدولة العميقة جالسة بعدتها وعتادها.
إن هذه الثورة لن تصل إلى غاياتها ما دام أن أمن
النظام البائد بشخوصه وأساليبه يمارس سطوته وكأنَّ شيئاً لم يكن، وما دام إعلاميو
النظام البائد يتصدرون المشهد الإعلامي، ومنهم من يستحق أن يكون وراء القضبان لما
ربطه مع ذلك النظام من تبادل المصالح، والحصول على التمويل، والاستفادة من سياسة
التمكين، وهو ما زال يكيد للثورة والثوار جهاراً نهاراً تحت غطاء الديمقراطية.
ولا تناقض بين دعوتي إلى حرية الرأي والتمسك بها وبين
أهمية كشف العلاقة بين النظام وإعلامييه الذين اختصهم بالرعاية والدعم، حتى ينال
كل من أخطأ في حق الشعب، وأسهم في دعم النظام وممارسة التغبيش والتضليل الجزاء
الذي يستحقه، بدلاً من أن يمضي في غيه، ويكيد للثورة وينال منها في وضح النهار.
لقد حققت الدولة العميقة غايتها بنجاح تام، ووجَّهت
الأنظار إلى سلوك غير حضاري في حضرة رئيس الوزراء، بدلاً من تناول نتائج الجهد
الدبلوماسي الرفيع الذي قام به ليجعل السودان متصدراً المشهد في المسرح العالمي،
بعد أن كان رئيسه يموت رعباً وهو يسافر فقط إلى دول الجوار التي كانت تلعن اليوم
الذي يهبط فيه على أرضها.
سعادة الأخ الزميل فيصل محمد صالح وزير الإعلام الأيدي
الناعمة لا تجدي مع هؤلاء، كن ذئباً وإلا أكلتك الذئاب، وهذه رسالتي إلى مجلس
الوزراء، والمعنيين بأمر الحفاظ على الثورة ومكتسباتها.