لم تكن الثورة الشعبية الهائلة التي استهدفت الإطاحة بنظام المخلوع البشير ثورة عبثية، بل كانت ثورة قيمية، فالقيم التي حملها شعار الثورة الأشهر (حرية ، سلام ، عدالة)، كان معبراً بالضبط عن النقيض الذي كان يحمله نظام المخلوع، الذي أدمن القهر واحترف الحروب وأمن بالظلم.
منهجياً قامت حركة الإسلام السياسي على هوس الغاية تبرر الوسيلة، لذلك لم يتورعوا عن ارتكاب كل الموبقات من أجل تحقيق شعارهم: الإسلام هو الحل، وانقلبوا على السلطة، وشردوا الموظفين للصالح العام، وأعلنوا الحرب الدينية على أبناء الجنوب، واستقبلوا كل المتطرفين الإسلاميين في السودان، ووفروا لهم الحماية والأرض والسلاح، وأقاموا بيوت الأشباح ومعتقلات التعذيب تحت الأرض، واستباحوا الوطن طولاً وعرضاً بذريعة أنهم جاؤوا لبعث الإسلام!
لم يمض على حكمهم الكثير حتى اكتشف الشعب الخديعة والكذب الصريح الذي يمارسه الإسلاميون، اذ لم يمض وقت طويل حتى امتلأت جيوبهم وتضخمت ارصدتهم البنكية، وارتفعت بيوتهم من طين إلى أسمنت مسلح، وأصبح واضحاً أنهم لصوص سرقوا السلطة من الشعب لا ليقيموا عدل الإسلام ولا ليعيدوا حكم الفاروق، بل ليمارسوا أكبر تجارة باسم الدين في تاريخ السودان، و ليطبقوا أسوا الأنظمة الدينية عبر تاريخ المنطقة.
لذلك فثورة ديسمبر ليست انتفاضة جوع، بل انتفاضة استرجاع لقيم ضيعتها جماعة البشير والترابي، و لهوية شعب شوهها نظام الإنقاذ، وحولها من أمة عريقة التاريخ إلى مسخ مشوه لا يسر صديق و لا عدو، ومن هذا المنطلق، فإن ثورة ديسمبر ثورة أخلاقية لا يجب أن تعامل الكيزان بالمثل، بل يجب أن تعيد ترتيب القيم الحقيقية في الشعب من حرية وسلام وعدالة، فإن انتشار هذه القيم سوف يعزل تلقائياً كل لصوص الدين وكل الكاذبين ، وسوف يحاسبهم أخلاقياً بشكل يومي حيثما ذهبوا.
مهم أن يزرع الثوار الآن بذور القيم الصحيحة وأن يتعهدوها بالرعاية والعمل وتقديم الأنموذج، فالميدان الوحيد الذي يمكن أن يهزم الكيزان إلى الأبد هو ميدان الأخلاق، إذا أعاد الثوار نموذج القيادة العامة إلى الشوارع من جديد، إلى المدارس والجامعات والأسواق والمساجد، سيكون هذا هو العامل الحاسم في إكمال انتصار الثورة، وتثبيت أركان الحرية والسلام والعدالة.
sondy25@gmail.com