يعج مجتمعنا بكثير من الممارسات والسلوكيات السالبة. وقد يُعزى انتشار هذه الممارسات والسلوكيات السالبة للظلم والقهر والكبت والإرهاب النفسي والتعذيب الجسدي الذي مارسته الأنظمة الشمولية على المواطن بدأً من الاستعمار مروراً بحكم عبود وحكم النميري، وأخيراً حكم البشير.
وعلى الجانب الآخر نجد آخرين تركت لهم تلك الأنظمة الشمولية الحبل على الغارب عن قصد ففسدوا وأفسدوا من دون رقيب أو حسيب.
والأدهى والأمر أن يتعايش الناس مع هذه الممارسات السالبة والفاسدة. ولا ينظرون إليها باعتبارها أمراً وسلوكاً غير طبيعي؛ لذلك فإن إزالة آثار حكم الطاغية يكون أصعب بكثير من إسقاط الطاغية نفسه.
والفساد الذي خلفه الحكم الشمولي في السودان ليس فقط فساداً اقتصادياً وسياسياً بل أيضاً فساداً أخلاقياً وهو الأخطر على الإطلاق؛ لأنه يعمل على تدمير المجتمع، وأخطر ما فيه أنه يصعب ملاحظته؛ بسبب كونه أصبح أمراً عادياً لا يثير الانتباه.
فمن أمثلة ذلك محاولة البعض استغلال جهد الآخرين والصعود على اكتافهم للوصول إلى أهدافه، وهو لا يعبأ بالضرر المترتب على الآخرين . وأيضاً الحصول على الشهادات الجامعية وفوق الجامعية بالتزوير والغش الواضح والمُستَتَر. واستخدام هذه الشهادات للحصول على وظيفة كان أجدر بها شخص اجتهد وتعب وأهَّل نفسه تأهيلاً حقيقياً. ولعل هذا كان أحد اسباب تدهور الخدمة المدنية وفشل الدولة وانهيار مؤسساتها.
ومن ذلك أيضاً الغش والتدليس والكذب في التجارة واعتبار ذلك شطارة (وفهلوة ) وقد يصل ذلك للحلف بالله كذباً لإتمام عملية بيع أو شراء.
الكبت والقهر اللذان تمارسهما السلطة الشمولية على الشعب يجعلان الفرد مشحوناً بطاقة سلبية كبيرة ولأنه عاجز عن مواجهة السلطة فإنه يتجه إلى تفريغ هذه الشحنات السالبة في فرد آخر لأتفه الأسباب؛ لذلك انتشر العنف اللفظي والشتم والمهاترات والضيق من سماع الرأي الآخر والتسرع في إصدار الأحكام واللجوء إلى التهديد والعنف لحل المشكلات والنزاعات. وفي الحقيقة كل هذه السلوكيات هي أعراض لاضطرابات نفسية ناتجة عن الكبت والقهر والظلم.
ومن الممارسات الفاسدة أيضاً اعتبار أموال الدولة حقٌاً مشاع اًيجوز سرقته واختلاسه، وتمكين الأقارب والمعارف منه وكل هم أولئك جمع الثروة دون أي وازع ديني و لا أخلاقي ولا إنساني يصدهم أكل أموال الشعب بالباطل. ويدخل في حكم ذلك استخدام ممتلكات الدولة وتسخيرها لخدمة شخصية.
ونتيجةً لقيام النظام بين الحين والآخر بزعزعة الأمن ونشر الذعر من أجل تأجيج مخاوف المواطنين من القادم المجهول، وحتى لا يفكروا في تغيير نظام الحكم وأيضاً بسبب اللا مبالاة التي مارسها النظام تجاه المواطنين وعدم الاهتمام بهم، وبتوفير حاجياتهم الضرورية. كل ذلك جعلهم يلجؤون إلى تقديس بعض الشخصيات السياسية أو الدينية لتخفف عنهم خوفهم من بطش الحاكمين وإرهابهم. وبالتالي يدينون لها بالولاء السياسي والديني ويصبحون رهن إشارتها. والبعض يرتمي في حضن القبيلة ليحتمي بها ويعتبرها ملاذه الآمن.
ومن الممارسات التي اتشرت في ظل الحكم الشمولي التدين المظهري الذي يهدف لاتخاذ الدين ستارة تتم من خلفها ممارسات لا دينية ولا أخلاقية، إلى جانب تغليف الباطل بغلاف ديني وهو محاولة إيجاد تبرير لكثير من القرارات والسلوكيات المخالفة لنصوص شرعية.
والحكومات التي تكونت في ظل الانظمة الشمولية لم يكن يعنيها محاربة الفساد ولا التقليل منه ومن آثاره؛ لأنها كانت غارقة في الفساد حتى أخمص قدميها. لذلك يتوجب على الحكومة الانتقالية الحالية أن تكوِّن مفوضية باسم “مفوضية الديمقراطية المستدامة ” تعمل على تنوير الناس بأهمية الحكم الديمقراطي الراشد وتوضيح الآثار الكارثية التي يعانيها مجتمعنا بسبب الفساد السياسي والاقتصادي الذي تخلفه الأنظمة الدكتاتورية.