أقرأوا حكاياتي مع أبرز رموز الحكم البائد الفاسد ثم أحكموا: هل أنا شخص مشبوه أم مشدوه؟ نبدأ بالرأس الكبير عمر البشير، وكان أول لقائي به في مقابر فاروق عند تشييع جثمان صديقي وقريبي حسين السيد علي قورتي، عندما سحبني عبد الرحيم محمد حسين من يدي وسار وهو يدردش معي باللغة النوبية، ونحن في منطقة شبه مظلمة ثم وقف أمام مجموعة من الناس الأشداء وصاح يا ريس دا جعفر عباس، فإذا بالريس عمر البشير يمد يده الي قائلا: أهلا ود حلتنا، وكان بهذا يشير الى مقالات كتبتها عن قيامي بامتلاك بيت في كافوري حيث بيت الرئيس، وقلت فيه بالحرف الواحد انني فعلت ذلك من باب “في جاه الملوك نلوك”، وقال لي أبيخ كلام ممكن يسمعه مغترب: تبنوا البيوت الحلوة وانتو قاعدين بره، وبعدين يفرشوا عليكم فيها
عبد الرحيم محمد حسين طبعا من “أندنا” وهو بكري حسن صالح دفعة شقيقي محجوب في دنقلا الثانوية (ولهذا حلف محجوب المغترب في السعودية أنه لن يعود الى السودان طالما الاثنان في الحكم، ويتأهب هذه الأيام للعودة بعد غياب 31 سنة عن الوطن)، وزرت بيت عبد الرحيم حيث الزوجة الأولى مرة واحدة، عندما دعاني الى فطور بالتركين ومعي الطاهر ساتي ومحمد لطيف وإعلاميين محس آخرين، ولكنه ظل على تواصل معي هاتفيا في الأعياد الخ، والحقيقة لله ان عبد الرحيم وعلى الصعيد الاجتماعي شخص بسيط وودود، فرغم أنه كان يعرف أنني اعتبره وبقية عصابة الكيزان مجرمين في حق الوطن إلا أنه لم يقطع صلته بي، وجاءني معزيا في والدتي وفي حضور سفير قطر السيد علي الحمادي: قال لي: ما خلاص ترجع تعيش معزز مكرم في بلدك وحتلقى المناصب التي تشتهي، فقلت له: انتم اشتريتم ذمم إعلاميين بشقق سكنية تعبانة ولن أبيع ذمتي بأقل من واحدة من الفيلل الرئاسية، (لم يكن غائبا عني أنه من مهندسي الانقلاب المشؤوم)
محجوب البدري السكرتير الصحفي للبشير كان يقرأ لي بانتظام، ويتصل بي معلقا على مقالاتي الداعية لقيام جمهورية كوش وعاصمتها بحري مع إعادة الجعليين الى وطن جدهم العباس لأنهم لن يرضوا ان يعيشوا في بلد يحكمها محسي او دنقلاوي، وعلمت منه أنه يعرض مقالاتي على البشير أحيانا، ولهذا كان البشير يقول إننا أولاد حلة واحدة (أبرأ واستبرأ)
وفي مناسبة زواج أحد أقاربه بقريبة له، سحبني أحد أقاربي الى غرفة فإذا بالبشير يجلس فيها وحده، ورحب بي بحرارة ثم أبلغني اننا لم نعد أولاد حلة واحدة لأنه باع بيته (وكان البيت الثاني الذي يبيعه في مربع 11 كافوري)، ثم دخل علينا شخص عرفت لاحقا أنه فضل بتاع بنك الخرطوم، وحكى البشير كيف ان فضل هذا كان يؤجر العجلات للتلاميذ وهو تلميذ في المرحلة الابتدائية ويبيع لهم كل ما هو قابل للبيع، ثم أجرى اتصالا هاتفيا مع شخص ما وناولني الهاتف وأنا مندهش، فكان على الطرف الآخر عبد الرحيم محمد حسين وكان وقتها وزيرا للدفاع وقال لي: خليك قاعد انا متابع عمليات في جنوب كردفان وأحصلكم بعد شويه، فقلت له -والله على ما أقول شهيد- على مسمع من البشير: طالما أن تدير عمليات حربية بواتساب ممكن غيرك يقوم بالمهمة دي، وضحك البشير قائلا: ضربة معلم، وخلال دقائق كان عبد الرحيم معنا وبعد قليل تقرر الذهاب الى مسجد النور الذي يعتقد البعض أنه بديل المسجد الأقصى لعقد القران فزُغت منهما تفاديا لركوب سيارة معهما والنزول منها على مشهد من مئات المصلين
عبد الباسط سبدرات الذي ركب قارب الكيزان وقبلها ركب قارب النميري بعد ان هجر قارب الحزب الشيوعي وصار وزيرا للعدل والتربية والحكم الاتحادي، كان زميلا لي في السكن لحين من الدهر في داخليات جامعة الخرطوم، وبعد التخرج تشاركنا السكن في ديوم الخرطوم لنحو عامين، ومنذ أن صار من شلة عصابة الكيزان تفاديت اللقاء به
هل ترى أن سيرتي ومسيرتي ملوثة؟ هل تصدق ما يقوله البعض بأنني عارضت حكم البشير لأنني كنت أحلم بالوزارة ولكن الكيزان طنشوني؟ أم تصدق أنني وبتكويني النفسي والاجتماعي والسياسي اعتبر الوزراة من “الوزر” وليس من الوارد ان أقبل بها حتى في ظل نظام شريف نظيف …