في حين أن الحكم الملكي، المستندة شرعيته إلى الدم، قد تلاشى تقريبًا كمبدأ فعال للحكومة في العالم الحديث، انتشر الحكم المطلق لفرد واحد أمثل لجنرالات الأقوياء في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا ما بعد الاستعمار، ورؤساء الدول الشيوعية الاستبدادية. وشهد القرن العشرون العديد منهم مثل أتاتورك، وبينيتو موسوليني، وأدولف هتلر، وجوزيف ستالين، وفرانسيسكو فرانكو، وماو تسي تونج، وخوان بيرون، وتيتو، وجمال عبد الناصر، وسوكارنو، وكوامي نكروما، وتشارلز ديجول، وعمر البشير، وحافظ الأسد وصدام حسين، كأننا في عصر الديكتاتورية الاستبدادية.
وفي مثل هذه البلدان، يستولى الرؤساء ورؤساء الوزراء
على السلطة شخصيًا عن طريق حظر أحزاب المعارضة وحرية التعبير عن الرأي المخالف، وتسخير
الإعلام لترديد ما يراه الدكتاتور وبناء نسخ طبق الأصل من أنظمة الحزب الواحد في
العالم الشيوعي.
في بلدان جديدة أخرى، استولت الجيوش على السلطة، وتم
تأسيس الدكتاتوريات العسكرية. سواء أكانت ديكتاتوريات رئاسية أم ديكتاتوريات عسكرية،
يبدو أن الأنظمة التي ظهرت كانت لها جذور مشتركة في المشكلات الاجتماعية
والاقتصادية للدولة الجديدة.
أثبتت النظم
الدستورية الموروثة من القوى الاستعمارية أنها غير قابلة للتطبيق في غياب طبقة
متوسطة قوية؛ واحتفظت التقاليد المحلية للحكم الاستبدادي بنفوذ قوي؛ الجيش، وهو
أحد القوى المنظمة القليلة في المجتمع، وكان في كثير من الأحيان القوة الوحيدة
القادرة على الحفاظ على النظام.
وكانت الطبقات المتوسطة والفقيرة والفكرية تفتقر إلى
التقدم الاقتصادي، ومحبطة بسبب قلة الفرص واستحواذ طبقة الدكتاتور على السلطة
والجزء الأعظم من الثروة. كذلك ترى الدكتاتور وحاشيته فوق سلطة القانون وبصفة ليس
هناك فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وجميعهم في قبضة الدكتاتور.
من ناحية
أخرى، وعلى النقيض، تمثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى النموذجين
الرئيسين للديمقراطية الدستورية في العالم الحديث. والولايات المتحدة هي المثال الرئيس
للنظام الرئاسي للديمقراطية الدستورية. أما بريطانيا، على الرغم من أن نظامها يشار
إليه أحيانًا كنظام مجلس الوزراء تقديراً لدور مجلس الوزراء في الحكومة، إلا أنه
مثال تقليدي للنظام البرلماني.
ويعتمد النظام الرئاسي الأمريكي على مبدأ الفصل بين
السلطات، ويميز بشدة بين موظفي الهيئة التشريعية والسلطة التنفيذية. بينما ينص
النظام البرلماني البريطاني على تكامل السلطة التشريعية والتنفيذية.
وفي نظام الولايات المتحدة، يتم تعزيز الفصل بين
السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية من خلال انتخابهما المنفصل، وعقيدة الضوابط
والتوازنات التي توفر الدعم الدستوري للخلافات الروتينية بين الفروع؛ في حين يعزز النظام
البريطاني من تكامل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بضرورة اتفاقهما الثابت،
أو لشرط “الثقة” بينهما، لاستمرار العمليات العادية للحكومة.
وفي نظام الولايات المتحدة يتم توفير الضوابط
المتبادلة من قبل أجهزة مثل الفيتو الرئاسي للتشريع (والذي قد يتم تجاوزه بأغلبية
ثلثي أعضاء الكونجرس)، ودور مجلس الشيوخ في التصديق على المعاهدات وتأكيد
الترشيحات التنفيذية، واعتماد مخصصات الكونجرس للأموال والقدرة على إعلان الحرب حصريًا،
والمراجعة القضائية للتشريعات؛ وفي النظام البريطاني، يكون جهاز التحكم الرئيس هو
تصويت “حجب الثقة” في البرلمان أو رفض التشريعات التي تعتبر حيوية.
النوع الثالث من الديمقراطية الدستورية هو النظام
الرئاسي البرلماني الهجين، الذي تمثله حكومة فرنسا. في مثل هذه الأنظمة، يوجد رئيس
منتخب مباشرة يتمتع بسلطات تنفيذية كبيرة ورئيس وزراء معين رئاسياً، ويجب أن يحتفظ
بدعم الأغلبية في الهيئة التشريعية.
إذا كان حزب الرئيس أو ائتلافه يسيطران أيضًا على
الأغلبية التشريعية، يكون رئيس الوزراء عمومًا شخصية ثانوية، مسؤولة عن الإدارة
اليومية للحكومة. ومع ذلك، يصبح منصب رئيس الوزراء أكثر أهمية عندما يسيطر حزب أو
ائتلاف واحد على الرئاسة ويحتفظ حزب منافس أو ائتلاف بدعم الأغلبية في المجلس
التشريعي. خلال هذه الفترات، يعين الرئيس زعيم الأغلبية التشريعية كرئيس للوزراء.
وفي جميع الحالات المعارضة مسموح بها وحرية الرأي متوفرة ولا أحد فوق القانون بما
فيهم رئيس الدولة أو من هم في أجهزة الحكم.
وأثبتت تجارب الديكتاتوريات عدم استقرارها إلى حد
كبير، بل وفشلها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بل والهزيمة في نهاية الأمر
والأمثلة التاريخية دليل على ذلك.
ويكفيك مقارنة ما آلت أليه دول النظام الدكتاتوري مقارنة
مع دول النظام الديمقراطي. ومن ناحية أخرى، يتعارض النظام الدكتاتوري بشدة مع مبدأ
التوحيد لله سبحانه وتعالى وأن محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
(مقتبس بتصرف الموسوعة البريطانية)