بعض المُحلَّلين أحسبهم من الذين في قلوبهم مرض ، يحاولون معاودة إغلاق باب المواجهات الفكرية والمذهبية في السودان وذلك من باب دفن الرؤوس في الرمال ، ثم من باب (التخويف) والإرهاب بما يمكن أن يحدث من سوءات وتداعيات جراء هذه المواجهات ، وأقول في هذا المجال إن كنا بالفعل نؤمن بتوطيد نظام ديموقراطي يكفل حرية الأفراد والجماعات في طرح الأفكار ومحاولة إقناع الآخرين بها وكذلك إمكانية نقد وتحليل الأفكار والمذاهب الأخرى ، وجب علينا في البدء أن لا نوصد الباب وندعو إلى (مجرَّد نبذ الإختلاف) لتلافي العداء والبغضاء وإمكانية حدوث ما يسمونه (بالفتنة) لان ذلك حسب قواعد المنطق وما جرت عليه طبائع الأمور لن يحدث ، علينا أن نؤمن أن الإختلاف في الأفكار والرؤى هو سِمة حياتية وإنسانية بالدرجة الأولى وحالة (وجودية) لا يمكن تلافيها والهروب من وقوعها أو وضع أسباب تمنعها من المثول ، لأن الإختلاف شأنه شأن الظواهر الكونية ، هو كالولادة والموت والإعاصير ومثول الفصول الأربعة وغيرها من الظواهر الطبيعية ، لذا وبدلاً من (تهويش) الناس بالعدول عن الوقوع في الإختلاف الفكري والمذهبي أو حتى السياسي والثقافي ، وحتى نكون عمليين وواقعيين علينا بالإهتمام بوضع الضوابط التي تكفل لخلافاتنا أن لا تدلُف بنا إلى ساحات المضار التي يتحدث عنها أولئك الذين يأنفون من شق الجراح وتنظيفها وتطهير ما بها من قيحٍ وسموم ، من هذه الضوابط ما يعمل عليه القانون وينظِّمه الدستور ، ومنها أيضاً ما يدخل في مجال نشر ثقافة التسامح والمقدرة على الإستماع الآخر و التمتُّع بمهارات النقاش والحوار والخطاب الذي يُفضي بعملية الإختلاف إلى مصاف القواعد والسوابق التي يمكن أن يستفيد منها المجتمع.
في أوان الحرية والإنعتاق من الركون إلى الثوابت التي لا تتغيَّر بفضل صمود هذا الشعب الذي بذل في سبيل خلاصه ما بذل ، لا مجال لتهديد الناس وتخويفهم من فكرة الإختلاف والسجال المتعارض والجدل المُفضي إلى خلق مخرجات فكرية ومعلوماتية وثقافية يمكن أن تشكِّل اللبنات الأولى لتغيير المنهج السياسي والفكري والثقافي الجمعي ، فكما كان هؤلاء يشوِّشون على الناس ويرهبونهم بما كان يمكن أن يحدث للسودان مثلما ما حدث في سوريا وليبيا والعراق لمجرُّد إلهاء الجماهير عن ثورتهم ونضالهم من أجل الحصول على حياةٍ أفضل ، ورغم ذلك فإن الثورة قد إستمرت وإنتصرت ولم تنزلق البلاد إلى ما كانوا به يتكهَّنون ، نلفت إنتباهكم إلى أنهم الآن يشيرون إلى فداحة ما يمكن أن يحدث من فتنة وصراع جراء تقاضي وزيرة الشباب والرياضة وعبد الحي يوسف ، ذلك أنهم يريدون أن يستمر ستار الصمت تجاه الخطاب الديني غير اللائق وغير المُتسِّق مع تطلعات هذا الشعب الذي لن تنطلي عليه مرةً أخرى ما يقرعونه من أجراس التحذير من المجادلة والمعارضة والمقاضاة لرجالات المنابر في المساجد وغيرها حين يتهمون الناس في عقيدتهم وإيمانهم لمجرَّد أنهم غير منضوين تحت لواءهم المذهبي والمنهجي .. من حقنا أن نرفض ما يقولون وأن نجادلهم ونقاضيهم إن تجاوزوا وستظل (الفتنةُ) نائمة ما دام رب العباد قد لعن من أيقظها.
عن صحيفة الجريدة