قال تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (آل عمران: 126).
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور:55).
عزيزي القارىء اللماح الذكي عندما نتدبر برجاحة عقل، وتتمعن بعين ثاقبة، ونتفكر بذهن متقد في تلك الآيات الكريمات التي تبث الأمل في النفوس، وتريح النفس وتطمئن القلوب، نستشعر عظمة الله ولطفه بنا، أن جعل لنا الأمل ذاك الشعور العاطفي، الداخلي، الخفي الذي يزين لنا الحياة، ويجعل لها بريقاً وهاجاً، ويكسب المرء لذة التفاؤل رغم العنت، والكبد، والنصب، والشقاء، والمشقة، والعوائق، ومكدرات الحياة ومنغصاتها.
نحمد الله كثيراً على ذاك الشعور الذي لا يحسه إلا من يؤمن به؛ لنتيقن أن التعب والكبد شيء طبيعي كتبه الله على العباد. لقد خلقنا الإنسان في كبد. حتى الأنبياء والرسل وأولو العزم منهم اذا استعرضت سيرهم العطرة تجدهم أكثر الناس تعرضاً للعنت، والنصب، والكبد، والابتلاءات، ولكن كان يحدوهم الأمل في الوصول إلى أهدافهم بشتى السبل، فكانوا متوشحين بالركن الركين للتفاؤل والأمل (الصبر).
فيا أحبتي القراء! قد علمني الأمل
هو ذاك الخيط الرفيع الوحيد الذي نتمسك به عند ركض الليالي وإسودادها، وعند تسارع الأيام العنيف مع حدة الانتظار، وهو البريق الوحيد الذي يمنحك الطمأنينة؛ ليزورك النوم حينها، لتدرك في النهاية أن تمسكك بذلك الخيط لم يذهب هباءً منثوراً، لذلك مهما مررنا بأحلك الظروف لا بد أن ندرك أن هنالك شيئاً جميلاً في انتظارنا بتمسكنا ذلك الخيط الجميل، وأن هنالك نافذة مهما صغر حجمها، إلا أنها تفتح آفاقاً واسعة، فيجب أن نشرئب إليها.
وأحلى ما تعلمت من الأمل أن أجمل هندسة أن تبني جسراً من الأمل فوق بحر اليأس، وعند السقوط والعثرات والإخفاق. لا نستطيع المشي من جديد، دون أن نؤمن بوجوده؛ ليكون هو الخيار الأول لبداية مشرقه بإذن الله.. فلكل من سقط، أهمسها من القلب: فتش عن الأمل هنا وهنالك؛ لتجده حتماً أول من يكون بجانبك للنهوض من جديد.
علمني الأمل بأن الحروف قد تتشابه، ولكن المعاني تختلف كلياً، والنقيض بالنقيض يذكر.. فها هو الألم يشابه حروفه، ولكن أين هذا من ذاك؟ فوجود اللام قبل الميم كوجود البحر قبل السفينة، ووجود الميم قبل اللام كوجود المهد قبل الرضيع، ليعلمني درساً أن الترتيب يكون له القول الفصل في بعض الأحيان.
علمني الأمل
لا معني ولا طعم للحياة من دون تفاؤل. ابتسم ليس بالضرورة فرحاً إنما ثقة وأملا أن الله لا يضيع ظنك. كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (انا عند حسن ظن عبدي بي)، ولا تظن أن هناك ليلاً من دون صباح، ولا تظن لحظة أن هناك هماً دون فرج، ولا تفكر كذلك بأن هناك داءً من دون دواء؛ لأن وجوده في حياتنا يؤكد حتمية خطأ كل الظنون والأفكار، خصوصاً إذا كنا نترنم بالأمل في أفكارنا، وكل حين ليكون ذلك الوقود المحرك لعجلة التفاؤل التي أوقفها بعضنا.
كما علمني الأمل أحبتي الأعزاء أن كل عسير إذا استعنت بالله فهو يسير، وأنه بداية لكل فعل في حياتنا، فلا نبدأ رحله إلا على أمل الوصول، ولان تناول دواء إلا على أمل الشفاء، ولا نخوض غمار تجربة إلا على أمل النجاح، ولا تصطف في الخط المعارض إلا على أمل تقويم الإعوجاج، أو أمل إزالته، وما ذلك علي الله بعزيز، لقد مكث فينا سنيناً. الثقه بالله أزكى الأمل، والتوكل عليه أوفى العمل.
ألا تجد الأمل حاضراً بقوه ليكون دائماً وأبداً هو ما يحول جميع الرغبات والنوايا إلى عمل؟ وحتى العمل قد أخذ كثيراً من حروفه؛ ليبين لنا أنه لا عمل من دون أمل!
عزيزي القارئ.. الناس معادن تصدأ بالملل، وتنكمش بالألم، وتتمدد بالأمل. الزم الابتسامة المشرقة لكسر حاجز الجليد مع من حولك.. قديماً قيل إنسان من دون ابتسامة كوردة من دون رائحة. ابتسم لتعطي الأمل، وتمنح التفاؤل.
قال الشاعر نزار قباني:
أخشى على الأمل الصغير أن يموت ويخنق.
كما قال مصطفى الغلاييني:
أن للآمال في أنفسنا لذة ** تنعش منها ما ذبل
لذة يحلو بها الصبر على** غمرات العيش والخطب الجلل
وتلك هي أهمية الأمل والتفاؤل في حياتنا، والتمعن والتفكر في دلالات الآيات التي تبث الأمل، وهي كثيرة، بل كل الذكر الحكيم يبعث الأمل والطمأنينة: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد:28).
مسقط – سلطنة عمان