هذه الثورة هدفها الاساسي اقامة دولة حرية و عدالة و سلام ، دولة الحرية لا تصنعها العنترية و لا الأجندة الاستعلائية و لا المواكب التي بلا غاية و لا البكاء على أطلال الشهداء ، و إنما يصنعها الوعي ، الوعي بقيمة الإنسان و بمسؤولية الحرية و بالحقوق الديمقراطية .
الشهداء و المصابين و المفقودين و المدمرين نفسيا و الذين فقدوا المال و الموارد و كل أشكال التضحيات الإنسانية خلال الثورة هي ليست تضحيات مستردة ، بل هي عربون للمستقبل و ثمن للحرية و الديمقراطية و العدالة ، لا يمكن استعادة هذا الثمن ، و الا استعدنا معه الدولة التي ثرنا عليها ، كما لا يمكننا نسيان هذا الثمن و الا نسينا الثورة ، تضحيات الثورات لا مقابل مالي لها و لا مقابل قانوني ، مقابلها الوحيد الخلود في ذاكرة الشعب و التاريخ ، و البقاء إلى الأبد معينا تتزود منه الأجيال.
لم يقتص الشعب السوداني قانونيا لمقتل الآلاف من الأنصار في ساعة من زمان في كرري ، كما لم يستلم مقابلا ماديا عن مقتل عبد الفضيل الماظ و صحبه و لا لشنق ود حبوبة ، فهذه تضحيات لا تقدر بثمن و لا تعادل بحكم قضائي ، هم لوحات تاريخية خالدة و صور باذخة في التضحية و الفداء و الوطنية ، هم شهداء و ليس قتلى حتى يقتص لهم ، هم الثمن الذي وهبنا عليه هذا التاريخ و هذا الوطن ، فهل يسترد الثمن بلا إعادة البضاعة ؟!!
الثورة دورها لا ينتهي عند لحظة إسقاط النظام الدكتاتوري، بل يبدأ عندها ، حين تحول تركة الدولة الظلامية إلى دولة وعي ، و حين تجلي القلوب من صدأ الأنانية و من غبار الانصرافية و تملأها بحب الآخر و بعشق المسؤلية ، دولة الثورة صورة معاكسة للدولة التي اسقطتها ، و بالتالي فهي لا يمكن أن تكون دولة كبت او إقصاء أو تصفية حسابات .
لو كان إسقاط الدكتاتوريات فقط يكفي لإنجاز دولة الحرية و الديمقراطية ، لحدث هذا في بلادنا منذ امد بعيد ، فقد انجز شعبنا ثورتين في أكتوبر ١٩٦٤ و في أبريل ١٩٨٥ ، و لكن النهاية كانت انقلاب عسكري و عودة مجددا للشمولية .
مأزقنا لا يتمثل فقط في وجود عسكر دكتاتوري ، و إنما في وجود بنية سياسية و عقول جمعية غير قابلة للوعي و لا تملك إرادة التغيير الحقيقي ابتداءا بذاتها .
الذين يرون أن المعركة الراهنة للثورة هي مع العسكر فقط هم مخطئون، و الخطأ في تحديد العدو يسوق الثورة إلى المعركة الخطأ و التي لا تنتج الا مزيد من المعارك التي لا تنتهي .
مازال الشيعة يبكون و يشقون الجيوب و يسيلون دماء أجسادهم حتى اليوم من أجل الحسين في كربلاء ، فما احيوا الحسين و لا قتلوا يزيد .
sondy25@gmail.com