من يقوم بدراسة تاريخ الثورات سيعرف جيدا أن ثقافة المتاريس اختفت من المسرح الثوري منذ عقود بعد هيمنة الأفكار “المابعد حداثية” على الأوساط الثورية.
لكن في هذه المرحلة التاريخية سنجد شبح المتاريس يعاود الظهور مرة أخرى على مسرح الأحداث، في العراق، والإكوادور.
من الذي أعاد الروح لهذا العمل الثوري الأصيل؟
إنه الشعب الثوري في السودان
من الذي أعاد الاعتبار لمسألة التنظيم الجماهيري القاعدي ونموذجها “لجان المقاومة” والذي يشبه في جوهره “جنينية السوفيتات الروسية”، بعد أن انفقت الثورة المضادة العالمية الملايين وجندت جيشا من المثقفين خلال العقود الماضية بغرض طمس معالم هذا الطريق الجماهيري الأصيل، حتى لا يكون هناك دليل على وجود طريق آخر لتنظيم المجتمع بعيدا عن مفاهيم الفكر السائد للثورات؟
إنه الشعب الثوري في السودان.
من الذي دشن أول عصيان مدني ناجح في تاريخ المنطقة؟
إنه الشعب الثوري في السودان.
عندما اشتعلت ثورة الكادحين في فرنسا والمعروفة تاريخيا بـ”كومونة باريس” وبعد أن أطلق أبو اليانور “المفكر والثوري الألماني” نداءات التحذير قبل اندلاعها، ونداءات الدعم بعد انخراط الثوار في النضال، انكب على دراسة هذه الثورة، وأبرز جوانبها الإيجابية ودفع بها إلى الواجهة، وانتقد جوانبها السلبية لا من الموقع الذي يستثمره أعداء الثورة ولكن من الموقع الذي يستفيد منه الثوار والحركة الثورية العالمية. ((هذا هو نهجنا)).
لذلك فإن الثورة السودانية أعتبرها علامة ثورية فارقة في تاريخ منطقتنا، أعادت الاعتبار لنشاط الجماهير الذاتي، بالرغم من التعرجات والتراجعات في مسارها، فطريق الثورة ليس مفروشا بالورود. والشعب السوداني يفهم ذلك جيدا، بحنكة نابعة من تاريخ نضالي طويل.
إن الدور الذي لعبته الحركة الثورية في السودان خلال ثورة ديسمبر نجد صداه الآن في حركة الجماهير الإكوادورية والعراقية.
ونحن في ظل العصر الرقمي، وسهولة انتشار الأخبار ونقل التجارب الثورية يجعلنا نقول بكل ثقة أن شبح الثورة السودانية قد خيم في سماء العاصمة كيتو في الإكوادور خلال الأيام الماضية، حيث نصب الإكوادوريون المتاريس ونفذوا الإضراب العام بنجاح والذي أجبر الرئيس لينين مورينو على التراجع. وأيضا خيم في العراق خلال الأيام الماضية، حيث كانت المتاريس هي خيار الأهالي في مقاومة عنف السلطة، إلى جانب الدعوة إلى تظاهرات يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
عاشت الثورة السودانية.