تهديدات جديدة لبحيرة السد العالي
علي حكومة الثورة فرض البدائل حتي وإن كانت خارج اتفاقية مياه النيل
من المؤسف جداً أن نكتوي مجددا بنار تبعات السد العالي في هذا الظرف العصيب الذي تتهدد فيه المدينة الثانية المتجددة لوادي حلفا العظيمة بعد غرق المدينة الأصل والجمال والعراقة بكل تاريخها وآثارها ومغتنياتها الثمينة. فقد تم التهجير بشكل سريع وعاجل حيث لم تكن مصر تكترث للحوار المجتمعي العميق الذي كان يُدار في السودان حول التهجير وأفضل الأماكن التب تناسب المهجريين النوبيين، وحول أفضل السبل وحول إنقاذ كل الآثار العظيمة ومغتنياتها. النوبيون فرضوا علي الجانب السوداني أن يسمعوا لوجهات نظرهم، فسيروا المظاهرات ورفعوا المذكرات ونظموا إعتصما بوادي حلفا، وإحتشدوا ثائرين عند زيارة الجنرال ابراهيم عبود من ما أجبره الي الهروب بوفده من ميدان اللقاء.
ونتج عن كل ذلك أن نظمت الحكومة استفتاء حول ٣ خيارات لأماكن التهجير وزادت من التعويضات وعدلت في تصميمات المنازل البديلة لتناسب عادات النوبيين الي حد كبير.
ولكن مصر كانت تواصل بناءها للسد وباغتت النوبيين ببداية ملء البحيرة قبل استكمال استعداداتهم. وأجبرتهم علي الرحيل تحت ضغط المياه الزاحفة الي بيوتهم ومزارعهم وحظائر بهائمهم. لحظات قاسية ومؤلمة تمزقت فيها الوجدان وتهدجت فيها الأفئدة.
اليوم يتكرر ذالك التهديد وقد تضخمت بحيرة النوبة خلف السد العالي بسبب الإطماء المهول الذي ملأ قاعها فتمددت أفقياً الي الجنوب.
في هذه المرة، لا يمكن السماح بمزيد من الإغراق، مهما كان وتحت أي ظرف وحجة وغطاء. قاوم النوبيون الهجرة الكاملة عن أرض حضارتهم وأصروا علي إعادة بناء مدينة جديدة لوادي حلفا مبتعدين عن الكونتور ١٨٢ الذي حددته اتفاقية قيام السد العالي الظالمة.
وهنالك فرصة جيدة يمكن استخدامها لتفادي إعادة سيناريو الإغراق.
فبالرغم من الرفض المبدئي لقيام سد مروي في الأساس وكما وضحت في كثير من المقالات لما له من تأثيرات سلبية إجتماعياً وبيئياً وحتي فنياً في هذا الموقع، كان من الواجب والأوجب أن يرتبط انشاءه بالري في المقام الأول. كان لابد من انشاء ترعتين علي جانبي بحيرته وكل واحدة توازي ثلاثة أحجام ترعتي المناقل والرهد بالمقارنة بين حجم السدين.
فبالإضافة الي الفوائد الكثيرة من ذلك: إحياء المشاريع الزراعية الكبيرة > المحافظة علي ودعم مخزوننا المائي الجوفي > تقليل مساحة الغمر وأخطاره > تقليل معدل التبخر والترسيب في بحيرته > عدم وجود ضغط ازمو ي يؤدي الي النز في الأراضي المتاخمة … الخ. بالإضافة الي كل ذلك، لأمكننا قفل البوابات في مثل هذا الموسم الذي تتزايد فيه كمية الوارد من المياه. بوجود تُرع الري، كان يمكننا قفل بوابات السد دون خوف من اتساع بقعة بحيرة سد مروي. كان من الممكن أن نحتفظ نحن بالمخزون الإضافي الذي حبانا به الله هذا العام بدلاً من أن ينتقل الي بحيرة النوبة ومنها مجاناً الي مصر، ليتحول من نعمة الي نقمة مهددةً أهلنا بإغراق جديد.
أما الآن، وبتصميم سد مروي لانتاج الكهرباء فقط، لا نستفيد إلا بزيادة انتاجها عبر توربينات مروي والتي وللأسف ستقذف مرة أخري بمياهها الي النهر لتجري الي بحيرة النوبة لتتسع وتهدد وادي حلفا وقراها المتاخمة.
لم يفت شيئاً ومع إستنفار الحكومة المركزية والولائية هذا العام لحماية المواطنيين والممتلكات مؤقتاً، فلابد من دراسة امكانية شق الترع من بحيرة سد مروي. علينا الإستفادة من مأساة التهديدات الخطيرة لهذا العام لفرض شروطنا في التفاوض مع مصر. خاصةً وأننا لابد أن ندفع بكل قوة لإعادة التفاوض علي كافة بنود اتفاقية مياه النيل مع استمرار انشاء سد النهضة الأثيوبي. هذا بالإضافة الي اعادة بناء مشروع الجزيرة وكل المشاريع الزراعية التي خربها عهد الإنقاذ البائد، وبالتالي نوظف حصتنا المائية ولا نرسلها الي بحيرة النوبة لمزيد من الإغراق.
وأدعوا الي أن تتضافر الجهود للمنظمات النوبية مع منظمات المناصير وكل منظمات المجتمع المدني الوطنية وقوي الحرية والتغيير من أجل المطالبة بتحويل سد مروي الي سد ري خاصة بعد تحويل ادارة السدود الي وزارة الري وبالتالي نستفيد بقيام المشاريع الزراعية الكبري مستفيدة من مياه بحيرته.
فليكن معلوماً للجميع، في كل دول حوض النيل: حكومات وشعوب، أن النوبيين لن يسمحوا بقيام مشاريع سدود جديدة علي منطقتهم إلا علي أجسادهم، وقد أثبتوا ذلك عملياً حينما قدموا الشهداء في مذبحة كجبار اللعينة. ولذلك، استفيدوا بأقصي ما يمكن من ما تم انشاءه من سدود حتي الآن، وخاصة سد مروي. وتوجهوا نحو بدائل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الكهرباء. ومن محاسن المنطقة النوبية، أنها الأصلح بطبيعتها لإنشاء أضخم المشاريع لإنتاج الكهرباء بالطاقات البديلة، وفي ذلك مصالح ممتازة للنوبيين لإستثمار أراضيهم وبعائدات ذلك علي كل السودان.