محاربة أسباب الرِدة على النظام الديموقراطي ، بعد أن سجَّل تاريخ السودان على مدى السنوات التي أعقبت إستقلاله إستمرار وتوالي متلازمة وأد الأنظمة الديموقراطية بالإنقلابات العسكرية ، يجب أن تبدأ بالتخلي اللا مشروط عن مبدأ عفا الله عن ما سلف فيما يختص بإنقلالب الإسلامويين في يونيو 89 ، أقول هذا على خلفية إعلان السيد النائب العام عن قبول وتحريك بلاغ تقويض النظام الديموقراطي الذي قام بإيداعه الشهيد المناضل علي محمود حسنين قُبيل وفاته في ملف حوى الحيثيات والأدلة وأسماء المتهمين وأدوارهم في تلك الخيانة العُظمى الموجَّهة ضد الوطن والشعب السوداني ، على التاريخ أن يُسجِّل في أضابيره مجريات هذه المحاكمة العادلة بما يُمكن أن تستفيد منه الأجيال القادمة كسابقةٍ قضائية وطنية تؤسِّس (لتجريم) الإنقضاض على مستقبل الأمة ومُقدَّرات الوطن خصوصاً حينما يكون مصدر ذاك الإنقضاض حزب سياسي أو توَّجُه فكري (يُعلن) تضامنه ووجوده ضمن دائرة النظام الديموقراطي و(يُضمِر) في ذات الوقت عدم إيمانه بالمنهج الديموقراطي ووجود الآخر وإمكانية منافسته النزيهة على التداول السلمي للسلطة أوالحكم ، تماماً كما فعلت الجبهة الإسلامية القومية في ليلةٍ حالكة السواد وتحت ستار الخيانة والطعن في ظهر الوطن والمواطن ، بالقدر الذي جعل الإسلام نفسه أكثر المتضرَّرين مما حدث عبر مُخالفة تعاليمهُ التي تُصنَّف فعلهُم كـ (خيانة أمانة) ونقض للعهود وشريعة الإسلام من أكثر الشرائع تشدُّداً في نبذ وتجريم هذا السلوك اللا أخلاقي والمُشين على كل حال.
على المنظومة العدلية في نظامنا الديموقراطي الجديد ، أن تقدِّم معروفاً لسجل التاريخ السوداني وشعب السودان في إيصال هذه القضية العادلة إلى مآلاتها النهائية ونتائجها الإيجابية ، فالتلكؤ هذه المرة في محاسبة كل الذين شاركوا وأيّدوا ودعموا إنقلاب 89 هو بمثابة ضوء أخضر يُفسِح المجال لتربُص المتربصين وتطلُّعهِم لتحقيق أمانيهُم ونزواتهم للعودة لمربع الشمولية البغيض وعبر بوابة العسكر نفسها ، علينا أن نُعيد بإنجاح هذا الملف القضائي المَهيب إلى مؤسستنا العسكرية القومية مهنيتها وإنكبابها وتركيزها على تخصصها الأصلي وواجباتها الإستراتيجية ، فضلاً عن ما يمكن أن يُشكِّله ذلك من حماية إخلاقية وقانونية ودستورية و(تأصيلية) للمد الديموقراطي بمفهومه القيَّمي والمؤسسي.
المواصلة بثبات وإصرار وعزيمة في إنجاح هذه المحاكمة بعدالة ونزاهة وعبر القانون وما يُسانده من مواد دستورية ، فيه عزاءٌ كبير ومقبول للشعب السوداني على ما فقد من تنمية وإزدهار وتقدم طيلة ثلاثون عاماً من عمر الإنقاذ البغيض ، وفيه إنصافٌ لضحايا هذا الإنقلاب وإستمرار حكمه من الشهداء والمُضهدين والمُهمشين ، وفيه آمالٌ جزلى تُعلي من حماس الحادبين والعاملين والداعمين لبناء السودان الجديد دون خوفٍ أو وجَل مصدرهُ توقِّع عودة الدائرة المشئومة عبر الإنقلاب على النهج الديموقراطي وبرامجهُ الداعمه للإنعتاق والحرية والعدالة ومؤسسية الدولة والتنمية المُستدامة.