على خلفية مقتل مواطن سوداني على أيدي عناصر تابعة لقوات نظامية على إثر الضرب والتعذيب بحسب إفادة تقرير الطبيب الشرعي ، وجب القول أن الأجهزة النظامية وخصوصاً الشرطة السودانية بإعتبارها أكثر هذه القوات إختصاصاً في التعامل المباشر مع الجمهور ، لا تحتاج فقط إلى مُجرَّد إعادة هيكلة كما ينادي بذلك معظم المهتمين بهذا الملف ، لأنها في الواقع تحتاج أيضاً إلى قيادات جديدة (تؤمن) و(تؤيِّد) المنهج الديموقراطي لتقوم بموجب ذلك بمتابعة وتطبيق قواعده و(ثقافته) في الواقع الميداني ، وقد لفتنا النظر لأكثر من مرة في هذا المقام أن رجل الشرطة العادي الذي يتعامل مع عامة الناس في الشوارع والمؤسسات الخدمية وأماكن التجمعات العامة كالأسواق ومواقف المواصلات هو في حاجة ماسة إلى (تغيير) ثقافتهُ المُتعلِّقة بدور الشرطة وطريقة وإسلوب معالجة العلاقة الرسمية التي تربطه بالمواطن ، الكثير من رجال الشرطة من أصحاب الرتب الدُنيا لا زالوا وعبر تصرفاتهم وأساليب تعاملهم مع الجمهور على ما يبدو ما زالوا لا يعرفون أن جهاز الشرطة هو بالأساس (مؤسسة خدمية) يُساهم المواطن في تكلفة تمويل إدارتها وأعمالها ، هم بالتأكيد يحتاجون إلى دورات مُكثَّفة في فنون التعامل مع الوقائع الميدانية مهما كانت تفاصيلها بمفهوم ديموقراطي يؤكِّد حُرية وكرامة وحُرمة جسد المواطن السوداني وذلك بالطبع عبر الإرتكاز على القانون وحُسن التصرُف والأعراف والأخلاق السودانية السامية.
لا مجال للحديث عن تغيير ديموقراطي حقيقي ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، دون أن يُمهر ذلك بقفزات مهمة في ملف حقوق الإنسان وإحترام قواعد القانون المُتعلِّقة بما يوفِّره الدستور للموقوفين في الحراسات الشرطية تحت طائلة الإتهام وعامة من يتعاملون مع الأجهزة الشُرطية من حماية وإحترام طالما أنهم لا يُشكِّلون عبر الوقائع والشواهد المُحدَّدة بوضوح مُهدِّداً للسلامة العامة أومكتسبات المصلحة الخاصة والعامة ، إن لم يشعر المواطن بعد الثورة أن مُجمل السلوكيات العامة المرتبطة بمؤسسات الدولة قد تغيَّرت وتبدَّلت لصالحه وإنحازت إلى إحترامه وإكرامه كإنسان ، سوف لن تكون هناك فائدة تُرجى من الهتافات والشعارات التي تدعو إلى إعداده وتأهيله ليقود عملية البناء والتنمية المُستدامة.
في كل بلدان العالم نجد ضباط الشرطة من أصحاب الرتب الصُغرى والوسطى ، يشرفون على الوقائع الميدانية الشُرطية الراتبة والطارئة ، وفي ذلك نوعٌ من التدريب المصحوب بالتوجيه للعناصر النظامية الدُنيا على تبني الأفكار والإتجاهات الجديدة في التعامل مع المواقف التي تستدعي (التقديرات الشخصية) للحالة وكيفية معاملة الأشخاص الذين يقعون تحت طائلة الإعتقال أو التوقيف المؤقت ، كما أن وجود الضباط في المراكز الميدانية يُشكِّل نوعاً من الرقابة اللازمة لضبط مستوى العلاقة التي ترتبط بالتعامل المباشر بين منسوبي الشرطة والمواطنين في الحالات العادية والطارئة ، لا مجال للحديث عن حرية ولا عدالة ولا دولة مؤسسات دون إستعادة مبدأ صون حياة وجسد المواطن السوداني وتقديس كرامته وحقهِ في الإحترام أياً كانت صفته وحالته القانونية.