اليوم تفتح كثير من الجامعات السودانية أبوابها للطلاب بعد اغلاق طويل الأمد بسبب الثورة . عودة الجامعات في هذا الظرف الحساس من تاريخ البلاد السياسي قد يكون عامل نجاح لمساعي بناء الوطن و قد يكون قنبلة تفجر كل شيء ، تحديد هذا يتوقف على كيفية معالجة أزمة مزمنة في الجامعات و هي أزمة العنف الطلابي .
اتطلع ان يكون الشغل الشاغل لادارات الجامعات في مستهل عودة نشاطها هو منع حدوث عنف طلابي يعيد الجامعات مجددا للاغلاق ، و قد ظهرت لها مؤشرات و انذارات مبكرة عن ما قد يحدث و اقصد بذلك أحداث جامعة الأزهري ، و احداث العثور على أسلحة مخزنة في بعض الكليات الجامعية .
نعلم جميعا ان العنف الطلابي مصدره الأشهر هو تيارات الهوس الديني و الايدولوجي و على راس هؤلاء الكيزان ، و هي تيارات عاجزة فكريا عن تسويق فكرها لذلك تلجأ إلى العنف لإرهاب الطلاب و لفتهم إليها في محاولة بائسة لإخفاء هذا العجز ، و نعلم جميعا ان الجناح الطلابي للكيزان خلال الثلاثين سنة الماضية استفاد من الدولة و تنظيماتها الأمنية و استخدم كل وسائل الإرهاب و العنف الطلابي من التهديدات و الوعيد إلى مرحلة القتل لقهر مخالفيه السياسيين من الطلاب ، و لكن بعد غروب شمس دولتهم و الإطاحة بنظامهم الفاشي و انتصار الثورة ، فقد حان أوان أن يسعى الجميع إلى ترسيخ نشاط جامعي فكري سياسي مبني على احترام و قبول الآخر و مؤسس على نبذ العنف بالكامل .
الجامعات سوح علم و أفكار، لا يجب بأي شكل من الأشكال ان تتحول إلى ساحات حرب و دماء و طعن و قتل، ثورة ديسمبر جاءت لتستعيد للجامعات ألقها العلمي و الأكاديمي و الثقافي و الفكري ، و ان تجعلها منارات للجماهير ، يستهدي بها شعبنا في دياجير الواقع الراهن المظلم.
لذلك مهم اغلاق كل المنافذ و معالجة كل الأسباب التي تشعل الغضب الطلابي و تحول فكرهم السياسي من فكر متزن يناقش الحجة بالحجة إلى فكر متطرف يناقش الحجة بالسيخ و المطواة و المولوتوف .
تاريخيا تمت مناقشة ظاهرة العنف الطلابي باستفاضة عبر كل المستويات طلابية و جامعية و وزارية و لكن في ظل دولة الكيزان و انحيازها لطلابها ضد الاخرين كانت كل التوصيات و الوسائل المقترحة لمعالجة و محاصرة هذا العنف تبوء بالفشل الذريع ، و عليه فان حكومة و وزارات و طلاب الثورة في سعيهم لإقامة دولة العدالة و الحرية و الديمقراطية يلزمهم ان يعملوا بصورة وطنية بعيدة عن الانحياز في الجامعات و ان يؤسسوا لواقع طلابي جامعي تسوده روح التوافق و الاتفاق بين مختلف الكيانات و التنظيمات السياسية داخل الجامعة .
و ليكون هذا العمل الوطني فعالا فالاولوية لوضع رؤية و خطة و قانون واضح و حازم يعالج قضايا العنف الطلابي ، و اعتقد ان من اهم هذه المعالجات هو الضبط الجامعي في بوابات الدخول و الخروج، بحيث لا يسمح بدخول غير طلاب الجامعة بعد إبراز البطاقة الجامعية ، كذلك من الأهمية بمكان إشراك الإدارات الجامعية في عملية تنظيم المسرح الفكري و السياسي في الجامعات الحكومية من خلال إدارات متخصصة تملك القدرة و الكفاءة و القانون العادل المنطقي الذي يخول لها الفصل في المنازعات و إجراء التحقيقات في اي حادثة عنف ، و الاهم يمكنها من استشعار و توقع العنف قبل حدوثه و وضع الترتيبات اللازمة لتلافيه.
من المهم الاتفاق على مستوى ادارة التعليم العالي على عواقب صارمة ضد كل التنظيمات السياسية و الطلاب الذين يبادرون بالعنف و الاعتداء على حرية الآخرين داخل سوح الجامعة بعد ثبات ذلك بالتحقيقات ، و من الأفضل أن يسبق ذلك رعاية مواثيق شرف بين مختلف التنظيمات الطلابية داخل الجامعات ، كوسيلة مهمة يحترمها طيف واسع من التنظيمات السياسية الطلابية مما يساعد في حماية استقرار الجانب الأكاديمي و حماية حرية الجميع في التعبير عن أفكارهم بلا حجر و لا إرهاب.
القضية ليست سهلة و لكن مواجهتها حتمية ، فالعنف الطلابي قد يفجر كل الواقع السياسي الهش الراهن ، لذلك فان الأدارات و الاساتذة و الطلاب عليهم ان يجلسوا معا في اول ايام عودة الجامعة هذه و ان يديروا حوارا شفافا و يتفاكروا في وضع خارطة طريق تحجم العنف الطلابي و تقود لاستقرار البيئة الجامعية ، فالوطن الجديد لا يحتمل مزيدا من الجراح و الألم .
sondy25@gmail.com