تُرى هل بلغ (مكلومي) النظام البائد ومن تبعهم من النفعيين وأرباب الفساد والناقمين على الثورة ، هذا المبلغ المُبكي والمؤسف من الغباء في تخطيطلتهم المُرتبكة لوأد حلم السودان وشعبه بالإنعتاق ؟ ، هل بالفعل يتجرأ الإسلامويون مرةً أخرى في عبر ما يُنشرون و يُشيعون ويُروِّجون ما يفيد لفت إنتباه هذا الشعب العظيم إلى المقارنة (السطحية) والمستعجلة بين العهد البائد الذي إستمر لثلاثين عاماً وبين (شهرين) من الحكم المدني الوليد ؟ ، ما زالوا يُراهنون على (ضيق) الأُفق الذي يفترضونه مُستشرياً في عقول السودانيين ، وكأنهم لم يستفيدوا من الدروس التي قدمتها هذا الأمة في فضيلة سِعة الوعي والإدارك مثلما إستفاد وإعترف بذلك العالم كلهُ حين أصبحت الثورات العربية تستهدي بأدبيات وشعارات الثورة السودانية وحين تغنى بإسمها كبار النجوم وتحلَّق حول أحداثها وبطولاتها القادة والزعماء وعامة الناس في شتى البقاع ، يُمعنون في غمرة شعورهم المُضني بالهزيمة في التأكيد على أن هذا الشعب العظيم ورغم ما قدَّمه من دروس وتضحيات وعِبر ، لا يعرف ولا يهتم ولا يأبه إلا للشبع والشعور الشكلي بالأمان من (عدوٍ) هو ليس سوى خُرافة صنعتها عصابة الحكم الإستبدادي ، لا يُصدِّقون ولا يؤمنون بأن هذا الشعب المُعلم وإن كانت شرارة خروجه إلى الشارع أزمة خبزٍ أو قود إلا أن ثورته القصوى كانت على الطغيان والجور والظلم والفساد وإمتهان الكرامة.
رسالتي للشباب الذين أشعلوا هذه الثورة ووقفوا وراء إنتصارها بما بذلوه من تضحيات أضاءت قداستها أرواح الشهداء التي صعدت إلى الجنان ، كونوا على وِثاقٍ مع شعاراتها ومبادئها وتذكروا أننا معشر الكهول والشيب خلفكم لا نتردَّد ولا نلوي على شيء سوى دعم موقفكم من مستقبلكم ومستقبل هذه البلاد ، إنظروا دائما إلى الجزء المملوء من الكوب وتذكروا أن مُلامسة أحلامكم أرض الواقع الحقيقي تحتاج إلى المزيد من الوقت والصمود والمُثابرة ، و(الإيمان بالفكرة) وبمَن فوضمتموهم ليُعبِّروا عنها ويصنعونها واقعاً ملموساً يمكن أن يحِسهُ ويشعر به الناس في حياتهم اليومية ، ما سبق من آمال ثورية يستحق الصبر والإنتظار والترقُب ، لكن علينا أن نتذكَّر أن هذه الثورة عندما إنتصرت كانت قد (وهبتنا فورياً) ودون تلكؤ وبلا إنتظار ، الكثير من (العطايا) الثمينة التي لا تقدُّر بثمن ، كان أهمها وأغلاها إنكسار حاجز الخوف بيننا وبين السُلطة ، وإمكانية الجهر والهُتاف بما يجيش في الصدور ولو كان ذلك في نقد الحاكم ، ثم إستعادة ثقة هذا الشعب في ذاته وسواعده الشبابية التي أكدت مسئوليتها تجاه مستقبله ومكانته بين الأمم ، فضلاً عن بدأ معاوِّل الحكم الإنتقالي الذي يُمثِّلنا في هدم صروح الفساد البائده وإستعادة دولة المؤسسات والقانون وإفساح المجال لإفشاء العدالة بين الحاكم والمحكوم والغني والفقير والقوي والضعيف ، ثم حماية التنمية المُستدامة والرفاهية المأموله بغطاء السلام وإيقاف الحرب بين أبناء الوطن الواحد … لا تدعوهم يستمتعون ولو بحلمٍ واهم يتوقعون عبرهُ توقف هذه المسيره.