سلط مركز راشد دياب للفنون برعاية شركة سكر كنانة المحدودة الضوء على “مبادرة السلام” من منظور ثقافي وفني تحدث فيها كل من الدكتور راشد دياب والدكتور محمد آدم سليمان “ترنين”، وذلك على أنغام مقطوعات موسيقية قدمها الموسيقار أسامة بابكر المعروف بأسامة بيكلو وابنه سامر اسامة بيكلو، كما تغنى الفنان محمود تاور بجميل الأغنيات، فيما أدار الجلسة عبدالملك يس.
الموسيقى والسلام
تعرض د. محمد آدم سليمان “ترنين” إلى علاقة
الفنون والموسيقى بالسلام، فقال: “إن السلام واحد من الهموم التي تشغل عقول
كل السودانيين”، وأضاف أن السودان عانى كثيراً في تاريخه من الحروب الأهلية؛
لافتاً الى انتفاء دواعي الحرب في هذه المرحلة التي يمر بها السودان، واشار إلى
الاستخدام السلبي لما يسمى بالجهوية والقبلية في الفترة الماضية، على الرغم من ذكر
هذه القبلية في القرآن الكريم بصورة تدعو إلى العمق والتجانس والمحبة.
وقدم د. سليمان
” ترنين” نماذج من غناء الحكامات أثارت عدداً من الحروب القبلية، ورآها
نماذج سلبية لاستخدام الفنون الشعرية، وذهب إلى أن الكلمة لها تأثير كبير جداً في
النفس البشرية والسلام الداخلي ، ويرى أن السودان الآن في حاجة ماسة إلى السلام من
أجل نهضته وسلامه، وألمح إلى أن الفنان السوداني كان يردد أغنيات تنادى بالسلام؛ مشيراً إلى أغنية ”
دارفور بلدنا” التي وضعت معالجة
لازمة دارفور، ولكن السياسة والسياسيين لم ينتبهوا كثيراً إل هذه الأزمة، وأكد أن
السودان غنى بتعدده الإثني والقبلي، وزاخر بتنوعه الثقافي، ولكن الناظر لهذا الأمر
يرى أن هنالك إقصاءً للآخر وثقافته.
وقال الدكتور
ترنين: “إن الفنون والموسيقى تمتلك القدرة على توحيد الوجدان السابق كجزء أساسي
في المناهج الدراسية، وزعم بأن هذه المناهج بعد تغييرها أحدثت فراغاً كبيراً في
التربية، وبالتالي حدث تدهور كبير في التعليم؛ مما انعكس سلباً على ثقافة السلام في
السودان.
استقرار
الستينيات وتوتر التسعينيات
وأوضح ترنين أن هنالك ارتباطاً وثيقاً جداً بين
السلام والأغنيات الوطنية التي نادت به؛ مشيراً إلى مجموعة من الأغنيات من بينها
اغنية “أنا أمدرمان” لأحمد المصطفى، وكذلك أغنية زكى عبدالكريم وصلاح
ابن البادية “حب الأديم” وغيرها من الأغنيات، ويرى أنها اغنيات تدعو إلى
السلام النفسي، وعقد سليمان ترنين مقارنة ما بين جيل الفنانين في فترة التسعينيات والآن،
وما بين جيل الفنانين الذين امتهنوا الغناء في فترة الستينيات، وأطلق على أغنيات
فترة التسعينيات بأغنيات التوتر، إذ تبدأ الأغنية من المنطقة الحادة، وهذا الأمر
يشير إلى عدم وجود سلام نفسي على عكس أغنيات الحقبة الستينية، وذهب إلى أن السلام
له أدواته التي تخدمه، وهي أدوات مرتبطة في الأساس بعلائق ثقافية وفنية متجذرة
داخل المحيط الاجتماعي، وبالتالي وجود هذا السلام يدعم بشكل كبير الاستقرار والإنتاج،
ونادى الدكتور سليمان ترنين في ختام حديثه بأهمية تفعيل كل المبادرات التي تدعو
إلى السلام.
أنواع للسلام
وأكد الدكتور راشد دياب أن السلام تظل له قيمة
وأهمية كبيرة لدى الإنسان السوداني خاصة في ظل هذه الظروف السياسية التي يمر بها
السودان وربطه بالتخطيط، وتفعيل المشارب الثقافية المتنوعة.
ويرى دياب أن للسلام أنواعاً متعددة، أهمها
السلام النفسي أو السلام الداخلي، ومن ثم السلام الاجتماعي، وقال: “إن هذا
النوع من السلام يبدأ أولاً بتربية النفس وبنوع من التضحيات التي تقدمها هذه النفس
من أجل تحقيق هذا السلام المرتبط بوعي الإنسان وروحه وأحلامه في الحياة”،
وذكر أن السلام من وجهة نظر أخلاقية يعني عودة الذات، والتي بدورها تعني تجاوز كل
الضغائن والأحقاد والمرارات داخل النفس، ويرى أن أي إنسان يعاني هذه المشكلات لا
يستطيع بأي حال من الأحوال أن يخلق في داخله سلاماً نفسياً مع ذاته أو مع الآخرين،
وربط الدكتور راشد هذا السلام بشروط أهمها الترابط الاجتماعي، وذهب إلى أن المجتمع
في كلياته يجمعه الحس والإحساس بما حوله بالموسيقى والمسرح والتشكيل والغناء وجميع
أنواع الفنون. وزعم أن السودانيين يعانون من مشكلة فهم للفنون التشكيلية كواحدة من
أهم الفنون البصرية، في حين أن هذه الفنون مرتبطة بشكل أساسي بإحساس الإنسان ومدى
قدرته على الاستيعاب والتذوق من خلال زواياه البصرية، ويرى أن مثل هذه الفنون لا
تحتاج إلى شرح تفاصيلها، بل هي لوحات تشرح نفسها، كل حسب زاوية إحساسه باللون
ودرجاته وتأثيراته في النفس البشرية.
واعترف بأن هذه الفنون من خلال قدرتها على
التأثير أدت دوراً بارزاً ومفصلياً في هذه الثورة التي أطاحت بنظام الإنقاذ؛ بوصف
أن اللوحة تعدّ واحدة من أدوات وأشكال التعبير والتنظيم الذهني والنفسي، لافتاً
إلى أن هذه اللوحة تعبر أيضاً عن خلاصة للتجربة الذهنية للإنسان الأمر الذي يشير
إلى أن السلام يمكن أن يحدث عندما يكون هنالك إحساس بالذوق العام والاحترام للآخر
وثقافته وفنه.
ونوه الدكتور راشد دياب بأن الغناء أيضاً يعزز
ويدعم بشكل أو بآخر السلام الاجتماعي أو السلام الجمعي كسلام مشترك، ويؤطر قوة
العلاقات المجتمعية وتبادل المنفعة بين الناس والإسهام في البناء والتنمية.
ممارسة العنصرية
وقال دياب: “إن السودانيين للأسف يمارسون
جميع أنواع العنصرية فيما بينهم وبالتالي تعيق الممارسة عملية السلام”، داعياً
إلى الاستفادة من هذا التعدد القبلي والتنوع الثقافي في خدمة السلام وتحقيقه
وحمايته بالروح التسامحية بين الأفراد والقبائل واحترام للآخر وثقافته، وربط
الدكتور راشد تحقيق هذا السلام بثلاثة عناصر أساسية وهي ضرورة أن يسمو الإنسان
بروحه، ومن ثم تربية العقول على الخلق والابداع والابتكار، هذا إلى جانب ضرورة
الانتماء الوطني.
وخلص الدكتور راشد إلى الدعوة إلى الاستقرار
الذهني والتصالح مع النفس والذات والمجتمع، وإشاعة الحرية والديمقراطية ونبذ العنف
والتوتر، مشيراً إلى أن السلام قضية تدخل في إطار العمل الجماعي والمسؤولية
الاجتماعية.
الموسيقى لغة
عالمية
و قدم الموسيقار
أسامة بيكلو شكره لمركز راشد دياب ورواده وذلك من خلال تسليطه الضوء على قضية
السلام السوداني، وكذلك قدم تحياته إلى صناع الثورة وشهدائها، وقال: “إن
الموسيقى لغة عالمية يمكن أن يفهمها الجميع”، ووصفها بأنها اللغة الثالثة على
مستوى العالم، وأضاف بأن الموسيقيين والفنانين يشكلون لوحة جمالية لكل أهل السودان،
وأقرّ بأن المبدعين السودانيين أدوا دوراً مهماً وبارزاً في ثقافة السلام، مشيراً
إلى مجموعة من الأغنيات التي قدمها كبار الفنانين من بينهم الفنان أحمد المصطفى
وخليل فرح وحسن خليفة العطبراوي وآخرون .