النظام البائد أورث البلاد أكثر من 60 مليار دولار ديون مستحقة السداد ونطالب بإعفائها
البلاد في مرحلة إسعافية، نقبل الدعم من الاصدقاء ونطلب منهم برامج استثمارية مشتركة
في الأفق إطلاق آلية تلقائية تعلن تنفيذ السودان لإصلاحات تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي
تقارير المراجع العام وفرت علينا جهد البحث عن شركات محسوبي النظام السابق
حاوره في واشنطن: صلاح شعيب
أدى فشل النظام البائد في كل المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الى تدهور شامل وتراجع وصل الى أخلاق وسلوكيَات الانسان السوداني التي كانت مضرب المثل.
تَخَبط خُطَطه الاقتصادية انتهى بدمار كل المشاريع التنموية في البلاد، واستشراء الفساد، وهجرة الملايين من المواطنين بحثا عن العيش الكريم بعد أن توسَّعت دائرة الفقر وأصبحت المَسْغَبة ملمحاً بارزاً في كل أنحاء السودان، ريفاً وحضراً، مدناً تريَّفت وقرى هجرها أهلها.
وفي آخر الأمر، ساهم الاقتصاد، بجانب عوامل كثيرة هامة، في انطلاق شرارة الحراك الثوري حتى انتصر وذهب النظام البائد غير مأسوف عليه، بل تلاحقه وستلاحقه اللعنات حتى وإن تَحَسَّن الوضع الاقتصادي، وليس ذلك على السودانيين بعسير، ولا على خالقهم بكثير، بعد أن مَكَّنهم مِن هزيمة مَن تاجر بدينه واسمه ومصحفه الكريم.
ومع ذلك، سيظل الاقتصاد يمَثِل تحدياً كبيراً أمام استقرار البلاد، والامر لن يقف عند الحكومة الجديدة برئاسة الخبير الاقتصادي د. عبد الله حمدوك، ولن ينتهي بانتهاء فترتها الانتقالية وتسليم السلطة لحكومة ديمقراطية منتخبة. الشاهد ان تدهور الاقتصاد السوداني يمثل عرضاً لمرضٍ عميق يرتبط في الأساس بالهيكلة السياسية للدولة، فالسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة.
حملنا كل هموم الاقتصاد السوداني وجلسنا بها مع وزير المالية د. ابراهيم البدوي، وقصدنا أن يكون حديثه معنا مفتوحا فامتد لحوالي ساعتين من الزمن، باسئلة قصيرة واجوبة، لا نريد ان نصفها ونفسد على القارئ فرصة تقييمها لوحده واختيار الوصف الذي يريده لها.
فإلى مضابط الحلقة الثانية من حوار (الوطن) الصحيفة، لأجل الوطن السودان، مع وزير المالية د. إبراهيم البدوي:
هناك أصوات كثيرة ناقدة لتجربة البنك الدولي والدول الفقيرة، والناس متخوفة من الاعتماد على سياسة البنك الدولي، ورئيس الوزراء ذكر أن السودان لن يعتمد على الهبات وهنالك حديث عن استئصال الشركات الإسلامية واسترداد الأموال وهنالك أموال خارج السودان تم تهريبها من قبل النظام..هل هنالك خطوات قانونية لاستجلاب الأموال السودانية التي تم تهريبها إلى الخارج؟
هذا سؤال مهم فمن خلال هذه الزيارة عقدت اجتماعين يتعلقان باسترداد الأموال المنهوبة بتكليف من رئيس الوزراء وقتها في أغسطس. إذ اجتمعت مع مكتب تابع للبنك الدولي لتقديم دعم وتدريب فرق العمل الوطنية المناط بها استعادة الاموال المنهوبة. وكما تعرف فإن مشروع استعادة الأموال المنهوبة يجب عدم الإفصاح عنه بالتفصيل، ولكن أطمئنك واطمئن الشعب السوداني عبر هذا اللقاء، فنحن على أتم الاستعداد للشروع في هذا الأمر. ولكن طبعا الملف سيباشره النائب العام، والمالية ستكون ممثلة فيه بناءً على مسارات قانونية. والأموال المنهوبة في الخارج عادة تتراوح مسألة استردادها بين سنة أو سنتين أو ثلاثة، ولكن الهدف مبدأ المحاسبة ليطبق في كل الحكومات المقبلة، وهذا الموضوع يمثل هدفا من أهداف الثورة وسيتم إنجازه وسنستعين بالخبرات الخارجية.
وبالنسبة للشركات الموجودة داخل السودان والتابعة لعدد من الإسلاميين وهي تنشط خارج إطار الضرائب هل هنالك إحصائية عن هذه الشركات وهل هنالك رصد أو معلومات من قوى الحرية والتغيير حول هذا الاقتصاد الموازي؟
هذه مناسبة لنشيد بديوان المراجع العام الذي كفانا مؤونة هذا المجهود، واستندنا علي تقاريره، فهناك أكثر من 400 شركة يعمل فريق عمل من وزارة المالية لمراجعتها، ويشارك ديوان المراجعة ووزارة الداخلية في هذا الأمر. وهناك تقرير بهذا الشأن ويسلم قريبا. وفاتني أن أذكر في هذا الشأن انني استلمت تقريرا ضافيا فيه الكثير من المعلومات الخاصة بمراجعة أداء ديوان الضرائب والجمارك والإعفاءات ومجمل الممارسات التي تؤدي إلى تسرب الأموال العامة المستحقة للدولة، وهذا أيضا موضوع قانوني سنشرع فيه بعد التوصيات التي ترفع لمجلس الوزراء لاجازتها وبعد تعديلنا لتشريعات النظام السابق سنقوم منظومة من التشريعات لحماية المؤسسات المحظية وسوف نعالج كل هذه المسائل.
حسنا ماذا عن التخوفات الكثيرة من وصفة البنك الدولي وهل ستعملون بها؟
الحقيقة أن النظام البائد أورثنا ما يقارب 60 مليار دولار كديون، وحسب الخطة التي وضعناها مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي في نهاية 2020 نستهدف إعفاء كل هذه الديون وهذه مسألة لابد منها، فنحن في مرحلة إسعاف إذ نحتاج إلى أن نعدد مواردنا الداخلية وهذه من أهدافنا ونعمل عليها. ولا نستطيع أن ننجز هذا الأمر لوحدنا بعد الحفرة التي تركنا فيها النظام السابق، إذ ورثنا دولة مفلسة وتواجهنا معوقات ونحتاج إلى مجهود يوفر تغطية متأخرات الصناديق العربية، وسوف نجتهد لكي نوفرها. ولا نستطيع القول بأننا بمواردنا الذاتية سنقوم بكل هذا.
ولكن ألا يمكن توظيف الأموال المنهوبة بدلا عن اعتمادنا على دعم البنك وحده؟
حتى الأموال المنهوبة نجد أن استردادها يأخذ وقتا طويلا والمواطن السوداني ضحى بالكثير ونحن نستحق الدعم، فهناك دول كثيرة مرت بتجارب مماثلة تم دعمها، وطبعا الكلام عن وصفة البنك الدولي لازم يستصحب القدرات الذاتية للدولة، فالصين في بداية برنامجها للنهوض الاقتصادي كانت لديها برامج مع البنك الدولي ولا تزال تتعاون مع الصندوق، لكن الصين مقتدرة. وأنا أعد الشعب السوداني ضمن حدود مسؤلياتي أنه لدينا برنامج واشترك فيه عدد مقدر من الخبراء والزملاء بجامعة الخرطوم ووزارة المالية وشاركت في تطوير هذا البرنامج، وهو فيه الجانب التنموي الطويل على مدى عشرة سنوات، وهنالك برنامج إسعافي خاص بالإنعاش العاجل. وكما قلت فنحن في مرحلة إسعافية تتطلب دعما من الأصدقاء ولكن في إطار ثوابتنا وبرنامجنا.
وإلى متى نعتمد على الدعم الخارجي؟
أتوقع أن بعد عام 2020 أننا لن نذهب إلى أي دولة لنقول لها نحن نريد المساعدة. سنقول لهم نظمنا اقتصادنا وأصلحنا مناخ الاستثمار وبيئة العمل وخلقنا مؤسسات مثل البرنامج المؤسسي وتشغيل الشباب وغيره. وهذه المرحلة تعد استثنائية كما قلنا. وسنقول لأشقائنا في الخليج وقتها إننا نحتاج استثمارا فيه مصالح مشتركة بيننا وبينكم، وحتى نصل هذه المرحلة فنحن محتاجون لمعالجة اقتصاد مأزوم ويعاني كثيرا من أزمات متصلة به، ومثقل بالديون، والآلية التي توصلنا اليها تعني أن يكون عندنا صندوق ثقة أو دعم مباشر في حدود مبلغ معين قد يصل إلى ثلاثة مليار دولار، وإن شاء الله سنسعى مع رئيس الوزراء ورئيس المجلس السيادي لتوفير هذا المبلغ لدعم الموازنة.
وما هي أبرز ملامح الموازنة الجديدة؟
ستعتمد الموازنة على أهداف التنمية المستدامة بالتركيز على التعليم والصحة والخدمات، ولدعم برنامج الحماية الاجتماعية الموسع الذي يعتمد على التحويل النقدي المباشر مع بعض التفاصيل لتلافي مسألة الدعم الذي لا يستفيد منه كل المواطنين. والخطة تحتاج إلى وضع برنامج ضرائب تصاعدي وهذه المسألة تعيد أموال الدعم للخزينة العامة، والدعم النقدي سهل الوصول لكل السودانيين، فقط هناك ضرورة لتحديد المستحقين للدعم. عموما هذا الأمر يحتاج لمجهود وسندرس كل هذا، والموضوع الأخير المتعلق بالدعم هو توفير على الأقل ما يكفي نحو ثلاثة أو أربعة أشهر من الواردات عبر بنك السودان، ذلك يتم عند توحيد سعر الصرف في النصف الثاني من 2020م وبعد عمل كل الترتيبات المؤسسة وإصلاح القطاع المالي وبهذا نكون قد حققنا الإجراءات الضرورية للنهوض الاقتصادي.
هل كل هذا الحديث عن الدعم مرتبط بالفترة الإسعافية؟
نعم مرتبط بالفترة الإسعافية وبعد ذلك إذا حصلنا على قروض ميسرة سنكون مثل دول أخرى، إذ كانت اثيوبيا والصين حتى فترة قريبة تحوز على هذه القروض. ولن نبحث عن هبات رغم أننا نقدر كثيرا هذا الدعم الذي قدم لنا. ونحن نعتقد أن السودان لديه ثلاثة ميزات نسبية، أولها الشباب والزراعة والموقع الاستراتيجي الجغرافي وهو مجاور لأربعة دول مغلقة ليس لديها منفذ على البحر، ويمكننا تطوير ساحل البحر الأحمر ويصبح ميناء إقليميا للاقتصاد السوداني واقتصاد جمهورية تشاد وأفريقيا والوسطي ودولة جنوب السودان وإثيوبيا.
م يبلغ دين البنك الدولي على السودان وهل اشترط السداد الكامل حتى يتعاون معنا؟
لا بالعكس الخطة التي وضعناها ليس فيها ديون ستدفع البنك الدولي ولا الصندوق الدولي ولا بنك التنمية الأفريقي إنما مجرد مبالغ رمزية على السودان دفعها. هو مبلغ الثلاثة مليار دولار إذا استطعنا توفيره ولن يذهب إلى واحدة من هذه المؤسسات بل ستذهب لدعم البرنامج الاقتصادي وتقييم البرنامج وجدواه في سبتمبر أو أكتوبر علي الأكثر، وستنطلق آلية تلقائية إذا أعلن أن السودان نفذ الإصلاح الاقتصادي من حيث تثبيت الاقتصاد الكلي والانتقال من الدعم السلعي لدعم ممكن يساهم في رأس المال البشري. الأسر حينما تأخذ مبلغا مباشرا يمكنها أن تستخدمه في التعليم وزيادة إنتاج عملهم في المزارع وفي العمل الفردي، وهذا الدعم يعطيهم حرية الاختيار والقدرة على أن يقرروا قراراتهم المصيرية. وهذا في معايير البنك الدولي لا يعتبر استهلاكا مفرطا لطاقة الاقتصاد بل يعتبر نوعا من تطوير العقد الاجتماعي حيث أنك تريد نقل الثروة المتاحة للمواطن دون تمييز.
ثم ماذا عن بقية ملامح الخطة؟
هذه الخطة ستؤدي إلى مشاركة المنظمات الأخرى ونادي باريس والدول المانحة سيقودهم إلى دفع الثلاثة مليار بالإضافة إلى إعفاء الديون. ولا أعتقد أن هناك إمكانية لنحصل على أفضل من ذلك واتفقنا بشكل كامل مع البنك الدولي في هذا الأمر. واتوقع ان يكون هنالك اتفاق مناسب مع بنك التنمية الأفريقي لأنه لديهم آلية تلقائية وهي الجهة الوحيدة التي ليس لديها آلية تلقائية لإعفاء الديون. وانا اجتمعت مع مدير قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في إطار البحث عن إصلاح الاقتصاد واتفقنا على أن نبحث عن كيفية تمويل سداد ديون صندوق النقد الدولي لأنه لا يملك آلية تلقائية له، وكل المؤشرات تدل على إمكانية معالجة هذا الأمر. وهنالك تجربة الصومال حيث تم الاتفاق على آلية لمعالجة مديونيتها وهي قليلة ولكن تمويل متأخرات صندوق النقد الدولي تأخرت لأنهم ماكانوا مستعدين لها منذ البداية، ولذلك تم التنبيه إلى أننا نسعى للإصلاح الاقتصادي ونسعى مع الشركاء لتمويل سداد مديونية صندوق النقد الدولي.