لم ينتظر حتى يلملم ملابسه فى لندن، بل سارع بالعودة إلى الخرطوم عقب سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، الذى أجبره على هجرة قسرية كانت أقرب للتشرد منها إلى الغربة، كما أخبرنى شيخ الثوار السودانيين على محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الاتحادى ورئيس الجبهة العريضة والقانونى الضليع، فى لقائى الأخير معه بمنزله بالخرطوم بحرى قبل أيام قليلة من وفاته عن عمر يناهز الثمانين عاما. حسنين كان أحد أشرس معارضى نظام البشير، وكل النظم الديكتاتورية التى حكمت السودان، ودفع ثمن ذلك عشرة أعوام قضاها فى السجون، وعشرة أخرى قضاها فى المنافى.
ظل الثائر الكبير حتى آخر لحظة فى حياته يناضل بروح الشباب، وعندما هبطت طائرته ارض الوطن، جثا يقبل تراب الوطن، وخرج من المطار محمولا على الأعناق، وكان آخر وسام منحه له الشعب السودانى ذلك الاستقبال الحافل فى ساحة الاعتصام. ولم يحل عمره الكبير والتفاعل مع المتظاهرين الشباب، الذين احتفوا به وسعد بهم، كانت تلك هى الفرحة الكبيرة التى توجت مسيرة طويلة عامرة بحب السودان.
فى حوارى الأخير معه قال إنه متفائل بمستقبل الشعب السودانى، رغم المتاريس التى توضع أمام مسيرته، والمخاطر الحقيقية التى تهدد ثورته، وكان فخورا بالجيل الحالى من الشباب السودانى، الذى قال إنه يملك من الوعى والاستنارة والإبداع ما يفوق الأجيال التى سبقته، وكان مصرا على المضى بالثورة إلى الأمام وصولا إلى حكم مدنى ديمقراطي. كان آخر عمل قام به هو بلاغ ضد البشير و25 من رموز حكمه بتهمة انقلاب 30 يونيو عام 1989، الذى قال إنه الجريمة الأولى والبوابة لباقى الجرائم.
نائب رئيس تحرير الأهرام المصرية.