صدر عن قوى اعلان الحرية والتغيير ما أسمته بالتصور للانتقال
السياسي بالولايات معلنة بأنها ستدفع بمرشحيها لولاة الولايات من كفاءات سياسية
وحزبية؛ وفقاً لمعايير حددتها، على أن يتم تشكيل مجلس الوزراء الولائي من خمسة إلى
سبعة وزراء، مع امكانية النظر في زيادة العدد بصفة استثنائية في بعض الولايات
بقرار من وزير الحكم الاتحادي.
وتضمن التصور ما يفيد بأن الوزراء سيتم ترشيحهم بواسطة قوى الحرية
والتغيير في الولاية ليعينهم الوالي ويعتمدهم وزير الحكم المحلي فسيتم الغاء
المعتمديات واستبدالها بالبلديات.
وعلى المستوى التشريعي تضمن التصور قيام مجالس تشريعية تطوعية تراوح
عضويتها بين ثلاثين وستين عضواً يتم تشكيلها من لجان المقاومة وأحزاب وتنظيمات
الحرية والتغيير ورموز محلية لا ارتباط لها مع النظام البائد، وبعض الخبراء وأصحاب
التخصصات.
صدور ما سمي بالتصور للانتقال السياسي في الولايات بواسطة قوى
اعلان الحرية والتغيير يشكل طعنة في خاصرة الثورة بمبادئها التي انطلقت من مدن
وقرى الولايات قبل العاصمة الخرطوم رافعة شعار الحرية والسلام والعدالة وعدم
التهميش.
كما أن تجاوز الولايات في
المشورة حول تفاصيل شكل الحكم ومحاولات فرض من يحكمهم في إطار المحاصصات المركزية
أمر مرفوض، بل يشكل خرقاً دستورياً صارخاً، على قوى الحرية والتغيير تجنبه والنأي
عنه، ذلك أن مثل هذا التدخل سيؤكد عدم مصداقيتها على ضوء ما حدث من تكالب على
مواقع السلطة بواسطة بعض مكوناتها، وما نتج من ذلك من محاصصات على مستوى تعيين
مجلسي السيادة والوزراء، وبعض الوظائف القيادية في عدد من الوزرات، وكان ذلك أمراً
مفضوحاً ومجانباً لشعارات الثورة انعكس أثره السالب بشكل واضح على الشارع السياسي،
كما فتح الباب أمام قوى الردة للاصطياد في الماء العكر.
إن قوى الحرية والتغيير إن استمرت على هذا النهج ستجد نفسها مواجهة
بثورة جديدة تنطلق من الولايات لتحقيق شعارات الثورة التي ابتدرتها، كما ستجد
نفسها في موقف دستوري وقانوني لا تُحسد عليها.
لقد نصت الوثيقة الدستورية على أن
نظام الحكم تعددي ديمقراطي برلماني لا مركزي، من خلال نص المادتين (4) و(9)، وحددت
مستويات الحكم القائم على اللامركزية التي تشمل المستوى الاتحادي الذي يمارس
سلطاته لحماية سيادة السودان، وسلامة أراضيه، وتعزيز رفاهية شعبه على المستوى القومي
والمستوى الإقليمي أو الولائي الذي يمارس سلطته على مستوى الأقاليم، وأخيراً مستوى
الحكم المحلى الذي يعزز المشاركة الشعبية الواسعة، ويعبر عن الاحتياجات الأساسية
للمواطنين.
أقرت الوثيقة الدستورية أيضاً استمرار العمل بنظام الولايات القائم،
وتوزيع السلطات والاختصاصات بين مستويات الحكم وتشكيل حكومات تنفيذية، الى حين
إعادة النظر في التقسيم الجغرافي؛ مما يجعل حق سكان الولايات في اختيار حكامها
وإداراتها وممثليها في جميع المستويات بدءاً من اختيار الولاة وانتهاءٍ بإداراتها
المحلية حقاً دستورياً أصيلاً لا يجوز التعدي عليه من أي جهة.
إن استمرار قوى الاعلان
والتغيير على هذا النهج لن يكون بعيداً عن نهج النظام البائد الذي لم يلتزم بما
ورد في دستورها بِشأن الحكم الفدرالي، فارضاً قبضته وهيمنته على الولايات من
المركز، وظل يصم آذانه عما ظلت تشكوه منه الولايات من تهميش وتجاوزات.
لقد كان من المؤمل أن تتجه
جهود قوى إعلان الحرية والتغيير على ترسيخ مبدأ اللامركزية التزاما بالوثيقة
الدستورية، وتأكيد الحق الأصيل للولايات في ترشيح حكامها عبر قوى الحرية والتغيير
في الولايات، مع مشاركة تلك القوى في التدابير الخاصة واللازمة لحكم ممارسة حقهم المباشر
في الحكم الاقليمي.
ولعل الأمر المهم هو أن نشير هنا الي أن النص الوحيد الذي ورد
بالوثيقة الدستورية حول موضوع تعيين الولاة هو ما ورد بنص المادة (١٢) ( ج) تحت
صلاحيات مجلس السيادة “عتماد ولاة الولايات أو حكام الولايات وفق ما يكون
عليه الحال بعد تعيينهم من رئيس الوزراء”، ويلاحظ من هذا النص أنه ليست هناك ما
يشير إلى دور أو صلاحيات لقوى الحرية والتغيير في المركز للتدخل في الترشيحات، على
عكس ما ورد من نصوص واضحة يمنحها هذا الحق في ترشيحات عضوية مجلسي السيادة
والوزراء؛ لذا فإن ترشيحات الولاة يجب أن تتم
عبر قوى الحرية والتغيير في الولايات مباشرة لرئيس الوزراء الذي يعين الولاة ليتم
اعتمادهم من مجلس السيادة.
أما المعايير المطلوبة للمرشحين لمنصب الوالي بما يحقق شعارات
الثورة فيجب أن تشتمل على الآتي :
1- أن يكون مؤمناً بشعارات
وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، ومؤهلاً لتحقيقها.
2- أن يكون من ذوي الكفاءة العلمية والمهنية، والقدرة
الإدارية العالية .
3- أن يمتلك الوعي السياسي اللازم، والإلمام بقضايا الولاية وتركيبتها السكانية
والثقافية والاجتماعية.
4- أن يكون من أبناء الولاية
المعنية، ولديه مساهمات في العمل الوطني.
5- ألا يكون من عضوية المؤتمر
الوطني، أو أي من الأحزاب أو الأفراد المشاركين في الحكومة حتى لحظة سقوط النظام.
6- أن يكون لديه القبول لدى
قطاع واسع من مواطني الولاية، والقدرة على اتخاذ القرارات.