أجلتُ الكتابة في أمر غاية في الخطورة لظرف خاص لأكثر من شهر تقريبا وما
دفعني إلى الكتابة اليوم رغم إستمرار
الظرف الخاص هو ما بثه الأستاذ الدكتور/ علام بتاريخ 23/09/2019م على قناته المحترمه (SUDAN KNOWLEDG) لحلقة خاصة للامام الصادق المهدي، تم تسجيلها في بريطانيا قبل عودة المهدي الاخيرة في ديسمبر 2018م للسودان .
لقد كان البروف علام مهذبا ومبدعا تجلت مهنيته
العالية في حواره الشيق مع الامام الصادق المهدي وأظهر قدرا كبيرا من الوعي
المفقود لدى الكثير من المثقفين السودانيين او ما اسميهم بادعياء الثقافة وانصاف
المتعلمين.
البروف علام ومن خلال تعاطيه للشان العام اصبح مثقلا
بتجارب الشعوب حول الرمزية ودورها في
النهضة الشاملة لأوطانها، وغياب ذلك لدى الشعب السوداني، مما دفعه للحديث بحزن
شديد قائلا بان الادارة البريطانية اهتمت بتاريخ ورمزية الامام المهدي أكثر من
اهتمامنا نحن شعب السودان به كأحد اهم الشخصيات السودانية وأحد أهم الأبطال والقادة الذين استطاعوا ان
يخرجوا بالسودان الى الفضاء العالمي عندما استطاع هزيمة الامبراطورية التي لا تغيب
عنها الشمس. جاء ذلك في ختام الحوار مع الامام الصادق وتحديدا في الدقيقة 66 من
زمن اللقاء.
وبعد هذه المقدمة سأدلف الى الموضوع مباشرة للحديث
عن ما ظل يؤرقني، ورغم ان الامر يحتاج الى بحوث ودراسات بالتعاون مع شخصيات في
قامة البروف علام، والى مؤسسات حكومية وغير حكومية لسبر اغوار ما وصلنا اليه من
فصام ومن ثم وضع الحلول لانتشال الاجيال القادمة من هذه الحالة التي هي أشبه بما
نسميها بالقطيعة وكراهية الذات الذي حدث نتاج ما تربع على عرش الوطن السياسي
شخصيات مارست التدليس والكذب والقهر والاستبداد وسوَّقت الى الغث وعملت على تفكيك
النسيج الاجتماعي ومحاربة مورثات الوطن التاريخية العظيمة والى كل ما هو هادم
لبناء الاوطان.
ظل عدد من مثقفي اليسار االماركسي في السودان ينظرون
الى المهدي بانه ثائر مادي وتم تمجيده على
هذا النحو وكيف لا؛ اذا ما علمنا بان النظرية الماركسية ارجعت كل الاحداث
التاريخية لسبب واحد فقط وهو المادة، وان الشعوب لا تثور من اجل كرامتها
وحريتها بينما كان ليسار العرب من
القوميين رأي آخر عندما اطلقوا على الامام
المهدي لقب الثائر العروبي. اما الاسلام السياسي احتفي بالمهدية باعتبار انه الارث
التاريخي الذي يستند عليه في مخاطبة وجدان الشعب السوداني.
وبعد مرور اكثر من
60 عاما من عمر السودان الحديث اقول وللاسف الشديد ان كل هذه الايدلوجيات
اليسارية واليمينية في الاحتفاء بالمهدية كانت تمارس التقية السياسية (كما هي
الشيعة تمارس التقية الدينية وتظهر خلاف ما تبطن)
لتوجد لنفسها موطئ قدم في الخارطة السياسية السودانية!!.
الزمان الثالث من شهر اغسطس لعام 2019م، المكان احدي
القاعات بعاصمة الضباب بلندن وبدعوة من الصحفيين السودانيين كنت حريصا لحضور هذه
الندوة خاصة ان نسائم الحرية والديمقراطية الرابعة قد اطلت بوجهها الجميل واشرقت
شمس الخلاص وبدات ترفرف في وطن الجمال، ولظرف اجتماعي وصلت متاخرا جدا واخذت مكاني
لاستمع بما سيشنف به اذاننا مثقفي السلطة الرابعة من الاعلاميين والمفكرين … كان
هنالك متحدثا علمت فيما بعد بانه بروفيسور في احدى الجامعات البريطانية تقريبا
وانه يساري الهوى انتهت الندوة بعد وصولي الى القاعة بخمس دقائق وطيلة هذه المدة
كان المتحدث الجهبذ يتحدث عن اكاذيب المهدية وكيف ان عبدالخالق قام بتكليفه بعمل
دراسة تخص المهدية وعندما عاد اليه وهو يحمل ما توصل اليه من أسماء الشياطين التي
كانت تؤز الامام المهدي ازا للقيام بثورته فاذا بعبد الخالق يقول له انه اكتشف
او توصل الى ما هو افظع واخطر من هذا بان
المهدي كان يقوم بثورته من اجل اضعاف الامبراطورية العثمانية الاسلامية لمصلحة
البريطانيين!! نعم هكذا قال الرجل على لسان عبدالخالق ورغم انني لم أساله عن من هو
عبدالخالق؟ ولم تكن هنالك فرص للحضور حيث علمت بان الندوة تم الغاءها في اللحظة
الاخيرة لتعارض الندوة باخرى.. هكذا قيل لنا بانهم سوف يكتفوا بهذا القدر من
النكات المضحكة التي تؤكد كذب ودروشة الامام المهدي وذلك لحضور ندوة على مسافة 100 متر تقريبا تنظمها
الدائرة المستديرة لاحد قيادات الحرية
والتغيير القادم من السودان.
عزيزي القارئ؛ إن عبدالخالق الذي تحدث عنه
البروفسيور الجهبذ هو عبدالخالق محجوب وان الحضور الذي كان حريصا على اطلاق ضحكات
الاستهزاء على الهواء الطلق وبصورة هيسترية وبصوت تشعر فيه مدى الراحة التي يشعرون
بها عندما تهاوي احد ابطال السودان واصبح كذابا اشر ودرويشا من دراويش الهرطقات
الدينية، هذا الحضور وللاسف من ابناء السودان بلونهم المعروف رغم انني تلفت كثيرا
لمعرفة ان كنت قد اخطات المكان.
قبل اربعة سنوات تقريبا وفي احدى الوسائط الاعلامية
تناولت عصابة البشير كما هو المعتاد حيث ظللت في هذا الوضع طيلة سنين العصابة
الاجرامية ولكن ربما هذه الجرعة كانت قوية
فلم يتحمل ذلك احد الاسلامويين، فجاء باخر ما لديه حيث كتب لي قائلا “بان المهدي أكبر كذاب في التاريخ
وان ما نتغنى به من معركة الكرامة والعزة والشموخ السوداني معركة كرري ما هي الا
اكذوبة كبيرة صنعناها نحن”، نعم هكذا قال دون ان يرمش له جفن علما بانه من
الاسلاموين المعروفين ورغم انني لم اكن اتحدث عن المهدية.
اكثر ما تم ضربه في سودان اليوم هو الرمزية او
الايقونة التي تجمع الشعب السوداني ولا تفرقه، وحسنا يقول البروف للامام الصادق
بانه يمثل الرمزية.. لقد كانت الهجمات منظمة ومركزة حتى انني استمعت الى احد الذين
يحملون حرف الدال قبل اسمه في احدى القنوات الفضائية التي تحت ادارة العصابة بان
امدرمان صنيعة استعمارية!!
انها فكرة ضرب وجود الأمة السودانية وهكذا تبدا
حلقاتها بالهجمات الخبيثة أو العميقة، وانهاء الرمزية التي تركن اليها لشعوب في
بناء الوحدة الوطنية وإعلاء رايات القومية لبناء الوطن.
ما قدمه المهدي كان يكفي كل اهل السودان بان يجلعوا
تاريخ انتصار الثورة المهدية عيدا من الاعياد القومية لسببين فقط الأول انه وحد اهل السودان جميعا في دولة
واحدة، والثاني ان الامام المهدي استطاع
بناء مجتمع خالي من القبليات والجهويات حيث انصهرت كل قبائل وإثنيات السودان في
بوتقة واحدة الأمر الذي تجلى في ان احد
ابناء غرب السودان صار خليفة له ثم حاكما
من بعده وكان ذلك في القرن التاسع عشر!! بينما نحن ما زلنا في القرن الواحد والعشرون نعيش في
جاهلية القبلية والعنصرية .
للحديث بقية…