استضاف مركز راشد
دياب للفنون برعاية شركة سكر كنانة المحدودة كل من د.نصر الدين شلقامي والباحث مصعب
الصاوي للحديث عن “الزهور في الغناء السوداني”، وصاحب ذلك تقديم نماذج غنائية
تناولت مفردة ” الزهور” في هذا الغناء قدمها الفنانان عاطف عبد الحي
وأنس عبد الله، فيما أدارت الأمسية الإعلامية نجوى آدم عوض.
استهل مصعب
الصاوي حديثه بقصيدة لشاعر الصوفية البصيري، وهو يذكر الخصائل المحمدية لسيدنا
الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وذلك في قوله “كالبدر في شرفٍ والزهر في ترف”.
وأما في أغنية الحقيبة قال: “إن جميع شعراء
هذه الحقبة تناولوا الزهور والورود في الأغنية
السودانية خاصة شاعر الطبيعة الأول مصطفى بطران، الذي تناول الزهور والورود في كثير
من أغنياته، وكذلك الشاعر خليل فرح الذي تناول الزهور البرية، وهي زهور تصنف ضمن
النباتات العطرية ذات الروائح الجميلة، ويرى أن أشجار الأراك لها عطر جميل والتي تناولها
الشاعر عكير الدامر في أشعاره ، وأضاف الزهور وردت أيضاً في أشعار سيد عبد العزيز،
وتجلت أكثر في أشعار الشاعر البستاني الكبير عبد الرحمن الريح بصورة مكثفة ومفصلة
تدعو إلى الدهشة وكيف أنه ربطها بحاسة الإنسان، وقال مصعب أن هنالك زهوراً ناتجة
من مجتمعات حضرية، مشيراً إلى أن الإنجليز كان لهم الاسهام في دخول الزهور الحديثة
إلى السودان إبان الحقبة الاستعمارية، التي صارت فيما بعد جزءاً أصيلاً من الثقافة
السودانية، وكذلك جمعية هواة الزهور التي يرجع إليها الفضل في نشر ثقافة الزهور في
السودان، إضافة إلى الشوام الذين كانوا يقطنون الخرطوم في ذاك الزمان.
وأكد أن الشاعر
عبد الرحمن الريح كان يأنس للتأمل في الزهور والطبيعة، ويعمد إلى تشخيصها وأنسنتها،
بمعنى أنه كان يعطي للطبيعة والزهور صفات إنسانية، وذلك في أغنية “الزهور
بسمت لينا” التي تغنى بها الفنان الراحل أحمد الجابري، وأيضاً في أغنية “روحك خفيفة وليك جاذبية”، لافتاً إلى
أن الشاعر عبد الرحمن الريح كان يكتب أغنياته بروح وأنفاس فكرية، ويحرص على ألا
تتشابه أسماء أغنياته ، كما أنه يتوقف عند كثير من العناصر المتعلقة بالزهور، مثل
النسيم والروح، ويحلق بها بعيداً في حالة شعورية تشبه امتزاج العواطف والمشاعر
الإنسانية، ونجد كذلك الشاعر خليل فرح ذكر كثيراً من النباتات الطبيعية في أشعاره
الغنائية مشيراً إلى “ما هو عارف،
وفي الضواحي”، وذهب بقوله إلى أن عبد الكريم الكابلي هو شاعر غنائي له كثير
من الأغنيات التي تناولت مفهوم الزهور ودلالاتها في الأغنية السودانية، لافتاً إلى
أنه يمتلك موهبة فذة وخيالاً خصباً في نظم الأشعار الغنائية، كما ألقى الصاوي
الضوء على مفردة الزهور في الأشعار الغنائية لكل من الشاعر أزهري محمد علي ويحيى
فضل الله وقاسم أبو زيد، وذكر أن الزهور في أشعار هؤلاء الشعراء وردت بصيغ مختلفة
يكثر فيها الاستخدام الرمزي للزهور، وناشد مصعب في ختام حديثه العلماء والباحثين
بكتابة أطلس عن الزهور والورود في الأشعار الغنائية السودانية.
وفي سياق ذي صلة تجول د. نصر الدين شلقامي في
حديثه في قصائد غنائية للشعراء السودانيين أمثال الشاعر سيد عبد العزيز وعبيد عبد
الرحمن ومحمد بشير عتيق ، وركز بصورة مفصلة في قصائد الشاعر البستاني عبد الرحمن
الريح وكيفية تناوله للزهور والورود، واستعرض شلقامي المقدمة التي وردت في صدر
ديوانه المطبوع، التي أوضح فيها أن عبد الرحمن الريح استوحى شعره من جمال السودان وطبيعته
الساحرة وحدائقه الغناء، وقال إن الشعراء السودانيين كان لهم ارتباط وثيق جداً
بالطبيعة، موضحاً أن أغنية “أنفاس الزهر” تتميز بالنفس الوصفي الطويل
للطبيعة، وكذلك أغنية “الملهمة”، وأكد أن تسمية الأغاني عند عبد الرحمن
الريح لها معانٍ فكرية وفلسفية عميقة جداً، وأضاف بأنه قدم تعابير جديدة في هذا
المجال، كما أنه كان مغرماً جداً بحديقة الحيوان، وكان يتأمل في زهورها وطبيعتها،
ولذلك كان معجباً جداً بطائر الطاؤوس، فكتب قصيدة غنائية في هذا الطائر الجميل
سماها “ملك الطيور” فصارت من أجمل الاغنيات السودانية.
واستعرض نصر الدين شلقامي في هذا الصدد أسماء كثير
من أنواع الزهور من بينها زهرة الخشخاش وزهرة النرجس وزهرة الليلات ويرى أن أغلب الزهور الجميلة لا يطول عمرها، وقال
أن أغنية “في الضواحي” فيها تحريض وتمرد على حياة الحضر ودعوة الناس
للخروج إلى الأرياف البعيدة، وذكر أن الشاعر سيد عبد العزيز موزع فؤاده ما بين
الخرطوم وأم درمان، فيما أن مصطفى بطران شاعر خرطومي يكن إعجاباً شديداً لحديقة
البلدية بالخرطوم بحري فجاءت أشعار أغنياته ذات ارتباط وثيق جداً بهذه الحديقة،
وخلص شلقامي في إضاءته إلى أن الحديث عن الزهور في الأغنية السودانية كثير وطويل
جداً، ويحتاج إلى بحوث ودراسات لتعريفها.