أرجو ان يسمح لي القارئ العزيز بإعادة الطرفة المضحكة المبكية التي حدثت معي من أحد المحسوبين على جهاز الأمن بالسودان قبل أن تنتصر الإرادة الشعبيةـ وتقصي الرئيس السابق من السلطة.
أذكركم بأن أحد الذين كانوا يحضرون كل مساء للصحف في السودان لمراجعة الصحيفة قبل الطبع ليقرر المسموح بنشره من غير المسموح .. كتب لي معقباً على ما أنشره هنا في أستراليا: أنت محل ما تمشي تشيل المشاكل معاك.
قال ذلك؛ لأنه لاحظ أنني أكتب هنا منتقداً بعض قرارات رئيس الوزراء الفدرالي، وهو يعتقد أن السلطات الأمنية هنا ستلاحقني كما كانوا يفعلون معي هناك .. لم أرد عليه بل ظللت أكتب مستمتعاً بالحرية التي تستظل بظلها الوارف الصحافة في أستراليا؛ لذلك فوجئت بالتقرير الصحافي الذي نشرته صحيفة “بانوراما” الغراء على صفحتها الثانية من عدد الخميس الماضي بعنوان “فصل من التأريخ الأسود في أستراليا .. الصفحة الأولى في الصحف بلا عناوين أو كلمات بل مجرد خطوطوط داكنة” رغم أن رئيس الوزراء الاسترالي اسكوت موريسون قال في ذات التقرير الصحافي ان الحكومة ملتزمة تماماً بحرية الصحافة، وأضاف قائلاً إن الحكومة لم تكن تعلم شيئاً عما جرى.
من ناحيته، قال بول ميرفي مدير تحالف العاملين بالصحافة أن هناك موجة عالية من التشريعات التي مرت خلال العقدين الماضيين جعلت من الصعب على الصحافيين حماية مصادرهم الذين يساعدونهم على كشف الحقائق، وأضاف ميرفي قائلاً: “إن عدداً من الصحافيين أخبروه بأنه منذ مداهمات الشرطة في وقت سابق من العام الماضي فقدوا مصادر كانت تعينهم في الحصول على المعلومات؛ لأنهم شعروا باستهدافهم. لذلك قامت هذه الحملة التضامنية على خلفية مداهمات الشرطة الفيدرالية في حزيران/يونيو الماضي لمنزل صحافية تعمل لدى مؤسسة نيوز كورب بسبب نشرها تسريبات تطال جهاز الاستخبارات، وفي اليوم التالي داهمت الشرطة مقر الABC بحثاً عن معلومات تكشف متسربي هذه المعلومات المتعلقة بانتهاكات مزعومة ارتكبها الجيش الأسترالي في أفغانستان،.
وقد اعترضت المؤسستان الإعلاميتان على هذه المداهمات ودعمتهما المؤسسات الإعلامية الأخرى. هذه الحملة التضامنية مع حرية الصحافة تشارك فيها كل المؤسسات الإعلامية بدعم من اتحاد نقابة الإعلاميين والفنانين، ومن المقرر تنظيم متحف لحرية الإعلام في العاصمة الأسترالية كامبرا في الخامس عشر من نوفمبر القادم.
مع كل الاحترام والتقدير لكل القوات النظامية، فإن ذلك لا يعفيها من النقد الموضوعي الناجم من سلوك بعض المنتسبين إليها في حال تجاوزهم لأدوارهم المهنية، كما أن لهم حق الرد والنفي وتوضيح الحقائق في نفس الموقع والمساحة التي نشرت فيها المعلومات المزعومة، بدلاً من افتعال معارك في غير معترك تضر أكثر مما تفيد.