لمدى ثلاثة عقود ظل قادة، وكوادر، نظام الإخوان المسلمين يقتلون معارضيهم، ويعذبون كل من يدخل معتقلاتهم، ويغتصبون النساء والرجال في معتقلات المركز. وقبل ذلك قاموا بتصفية الخدمة المدنية من جميع الكفاءات، ومطاردتها في عمل القطاع الخاص البديل. وعند مناطق النزاع استخدم دعاة المشروع الحضاري مفهوم الجهاد، وموروثه العملي لارتكاب الإبادة الجماعية، والسحل، والاغتصاب، وقصف السكان بالطائرات، واقتحام قراهم بريا، عبر مليشيات قوات الدفاع الشعبي ثم موسى هلال فحميدتي. هذه حقائق موثقة، وينبغي ألا تغيب عن ذاكرتهم، وذاكرتنا، حتى تقيم الحكومة فسطاط العدالة.
استطاع الإخوان المسلمون الذين يشكلون غالبية التيار الإسلاموي أن يطبقوا كل نظرياتهم في الحكم دون أن يجدوا من يثنيهم عمليا عن إقصاء السودانيين عمدا في أمر يخصهم جميعا. في الاقتصاد طبقوا مذهبيتهم، وزادوا عليها بالخصخصة ذات المرجعية الطفيلية الغربية فازداد الفقراء بينا تضاعف عدد الأثرياء الإسلاميين. وفي التعليم غيروا المناهج من مرحلة الأساس حتى الدراسات العليا، وحقنوها بالتطرف، والإرهاب حتى إذا عاد المجاهد الطالب منحوه درجات أعلى من زملائه المجدين. دخلوا مؤسسات الدولة الاقتصادية فأفسدها، ثم نهبوها، وتراجعت الإنتاجية من كل نواحيها. لم يتركوا مشروع الجزيرة، والمؤسسات الخدمية المنتجة الأخرى مثل الخطوط البحرية، والجوية، إلا خرابا ينعق فيها البوم. في زمنهم صارت مؤسساتنا الثقافية، والإعلامية بلا فاعلية، فغاصت قريحة المبدعين، واُبتذل الإبداع، وتراجع التجديد في كل فنوننا.
-٢-
باختصار كان السودان كله تحت سيطرتهم، إذ حكموه بالاستبداد، ولم يسمعوا مناشدات السودانيين بأن يتخلوا عن هذا النهج المتطرف الذي يعمق مشاكل البلاد، والعباد. بل طغوا، وتكبروا، وقالوا إن الله زرعهم في البلاد، وهو وحده الذي يقلع شتلات وجودهم. حتى المجتمع الإقليمي، والقاري، والدولي، لم يستمتعوا له، وهم الذين عادوه منذ أيامهم الاولى، وحذروا في أناشيدهم بأن روسيا، والولايات المتحدة، قد دنا عذابهما. وقد كان لنهجهم المتطرف دور في إهدار مئات الآلاف من أرواح السودانيين في الحرب.
كان عبد الحي، والأعلون صوتا الآن من الإسلاميين الذين يتباكون على ضياع مجدهم – بعد قيام حكومة الثورة الجديدة – يشاركون، ويدعمون تلك الغزوات الجهادية، ويمارسون التغبيش الإعلامي، ويعززون كل خطوات نظام المشروع الحضاري. صمتوا عن كل جرائم النظام الذي كانت أفاعليه القبيحة، والدموية، نقيضا لتدين السودانيين. وبسبب استبدادهم تم قهر المفكرين، والإعلاميين، والمبدعين، ونشطاء المجتمع المدني. بل كانوا يرون نظام البشير يبطش في أيامه الأخيرة بالتاتشرات التي حصدت آلاف الأرواح. ومع ذلك لم نر في صحفهم مانشيتات رئيسية عن هذه الأحداث. الأدهى وأمر أن قنواتهم آنذاك تستضيف قائد كتائب الظل الذي يهدد بإهدار المزيد من أرواح المنادين بالتغيير، وذات الإعلاميين الذين ينادون بعدم الإقصاء اليوم كانوا يشككون في الثورة، ويعدونها مؤامرة ويهددون أنها تقود البلاد للصوملة.
-٣-
يتخيل الإخوان المسلمون كافة أنهم يستطيعون بالضجيج، ووصف الآخرين تارة بالعمالة للغرب وتارة أخرى بالعلمانيين الذين يريدون هدم أركان الدين الإسلامي، تخويف الناس، وحملهم على تبني تفسيراتهم له. ولو كان هذا ممكنا لما قامت الثورة لإنهاء نظامهم الديني الاستبدادي. ومع ذلك لا يعتبرون لحركة التاريخ التي أنهت إمكانية فرض الرأي بالقوة، والتدليس، والتخويف، والابتزاز. فنحن نعلم أن هذا عصر الحرية الذي أتاح للناس التداول السلمي للآراء، وليس هو عصر الاستبداد حيث ولى معه استخدام العنف، واستغلال العاطفة الدينية، كوسيلة لفرض المذهبية الفكرية، أو السياسية، أو الدينية.
فالدولة الوطنية السودانية التي تشهد الآن بناء اللبنات الاساسية التي تتيح للناس الحريات التامة في الاعتقاد لن تبنى بالتهديد، والوعيد، واحتكار تفسير الدين. ولا يظنن عاقل أن الشعب السوداني سيستجيب الآن لدعوات الغش الديني التي يبذلها عبد الحي وزمرته، ومن دار في فلكه، وهو ذات الشعب الذي قدم شبابه روحهم من أجل الخلاص من الدولة الدينية التي أسسها الترابي، وسار عليها من بعده البشير.
ليس أمام الإخوان المسلمين الذين تتنوع مسميات تنظيماتهم السياسية من طريق للسيطرة على المشهد السياسي بالغش الديني مرة أخرى. عليهم أن يتخلوا عن إهدار وقتهم في استخدام أدوات التغبيش الفكري، والديني، والعمل على الاستفادة من مناخ الحرية لتقديم مساهمات فكرية حقيقية للتعامل مع ثقل الواقع السوداني. فالتهديد والوعيد لن يخيف السودانيين الأحرار، ومحاولة الانتصار الرخيص بوصف الآخرين بالعلمنة والتغريب لن تجدي فتيلا، وليأخذوا العبرة من دورهم لشيطنة الآخرين عبر ترسانتهم الإعلامية، والعسكرية، والاقتصادية، والتي فشلت في تطبيق نهجهم بالاستبداد برغم امتلاكهم لإرادة الدولة، وتجييرهم لقدرات المجتمع. لن يستجيب أحد من هذا الجيل لحججكم التكفيرية، والابتزاز الديني، أيها الإخوان إذا استجابت لها الأجيال السابقة. فأجلسوا بتواضع لدراسة تجربتكم، وقدموا لها نقدا حقيقيا، واسألوا أنفسكم: لماذا تكرهكم غالبية الشعب السوداني حتى أسقطت حكمكم المستبد؟