أعتذر بداية عن تأخري في كتابة الحلقة الثانية من لقاء رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك بعض أبناء الجالية السودانية في الرياض لظروف خارجة عن الإرادة.
خرجت من اجتماع رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك والوفد الوزاري المرافق مع بعض مكونات الجالية السودانية في العاصمة السودانية الرياض في الشهر الماضي بأن الحكومة في وضع لا تحسد عليه بعد أن فوّت المجلس العسكري الانتقالي فترة العدالة الثورية، وأتاح للنظام البائد الاستمرار قابضاً على مفاصل الدولة.
وهذا الوضع عانت وما تزال تعاني منه تونس الشقيقة حتى
اضطرت بعد ثلاث سنوات من ثورتها إلى إصدار قانون حول
“العدالة الانتقالية”، بهدف النظر في الجرائم التي ارتكبت في ظل نظامي
بورقيبة وزين العابدين بن علي، وأُنشئت بموجبه “هيئة الحقيقة والكرامة” المستقلة؛
لإحصاء وتعويض ضحايا الانتهاكات في العهدين، إضافة إلى معرفة المسؤولين عنها
وإحالتهم على القضاء.
أما بالنسبة إلينا، فعلى الرغم من التباطوء الذي اشتكى منه الأغلبية
في الاجتماع، فما زال الوقت مبكراً، وعلينا ألا نضيع المزيد، فيجب الإسراع في
التحقيق في جريمة فض الاعتصام، التي ستظل تقض مضاجع السودانيين، فما بالنا بأسر
الشهداء الذين فقدوا فلذات أكبادهم، وقد حمل والد الشهيد الدكتور بابكر عبدالحميد
رسالة تلك الأسر، وطالب بسرعة الانتهاء من التحقيقات لمعرفة الحقيقة، حتى تهدأ نفس
أمه، التي تموت قهراً، بسبب عدم أخذ حق ابنها.
وهكذا تعالى المغتربون على جراحاتهم، ومعاناتهم، وطرحوا هموم الوطن،
ومنها استمرار الدولة العميقة، وطالب حمدوك والوزراء المرافقين ببعض الوقت،
وخصوصاً أن الأمور تعالج في إطار دولة القانون.
وأكدت وزير الخارجية أسماء عبدالله أن فساد 30 عاماً لا يمكن التخلص
منه في أيام، واعدة بتحسن خدمات الخارجية، وقد طرح المغتربون ارتفاع رسوم استخراج
الجوازات وبطء الإجراءات.
وتركت الوزيرة انطباعاً جيداً بهدوئها، وتماسك طرحها، ووجدت تعاطفاً
من الحضور، وتصفيقاً كأنهم يردون على منتقديها.
ومن أهم القضايا المطروحة في اللقاء قضية المفقودين، ووجود أصابع
تخفي الحقائق، حتى تحول الشهداء إلى أرقام، وهم يدفنون بلا أي تحقيق أو تحرٍ، إلى
جانب قضية تعليم أبناء المغتربين التي تظل حاضرة بقوة كالعادة، ووعد حمدوك بحلها
في إطار معالجة وضع التعليم عموماً، وتطرق بعض الحضور إلى أهمية النظر في وضع
جامعة المغتربين، وإجراء تحقيق شامل يضع النقاط على الحروف.
أما الهم الاقتصادي والمقترحات التي طرحها وزير المالية د. إبراهيم
البدوي، فقد وجدت التجاوب، وخصوصاً صندوق الوديعة التي يمكن أن يسهم فيه المغتربون
ويديرونه بأنفسهم، كما تجاوب الحاضرون مع فكرة التبرع الذاتي لدعم الاقتصاد
الوطني، ومع هذا طرحوا أهمية تهيئة بيئة الاستثمار لجذب استثمارات المغتربين،
والمستثمرين من الدول العربية وغيرها، بعد أن نفرتهم دولة الفساد، وهذا ما أكده
رئيس الوزراء.
وتناول وزير التجارة والصناعة تضحيات المغتربين ومشاركتهم الفاعلة في
الثورة حضوراً وفكراً ومالاً وأرقاً، مؤكداً ثقته في استمرار دعمهم، مع أهمية
التكاتف من أجل الوصول إلى الغايات المنشودة.
ووجد طرح د.شيراز عبدالحي حول تدريب الأطباء تفاعلاً من د. حمدوك، الذي أمن على ضرورة تطوير قدرات الأطباء السودانيين، بالتعاون مع الجهات المختصة السعودية، حتى يكملوا التخصص، ويستمروا في تطوير الذات.
كما طرحت والمهندس عبدالمنعم العوض الأمين العام لللتقى السودانية قضية المغتربين الذين في السجون لأسباب تتعلق بأنظمة البلد المضيف، وهي تحتاج إلى تدخل رسمي لوضع حد لمعاناة هؤلاء بتفاهم بين البلدين، يحقق المصلحة المشتركة، ويصحح الأوضاع، ويقضي على أي تجاوز.
وطرح بعض الحضور فكرة حل جهاز المغتربين، والتحقيق فيما أسموه الفساد
الذي ارتبط به، وبشركاته ومؤسساته، وتقييم أدائه، وشاطرهم الرأي د. حمدوك، مؤكداً أهمية
تغيير الوضع، والتحقيق في كل ما طرحه المتحدثون.
واعتقادي أن من أهم ما ينشده المغترب بعد سنوات الغربة الطويلة العيش الكريم على أرض الوطن، وهذا لا يتأتى إلا بالتشريع الذي يتيح إعفاء مدخلات الإنتاج من الجمارك، حتى يمكن للمغترب أن يحمل معه الأجهزة والأدوات التي تعينه على ممارسة مهنته في بلده، لأنه لا مجال أمام كثيرين للعودة إلى الوظيفة لعدم وجود فرص، أو لكبر السن، أو لقلة الدخل، بل إنه سيتيح وظائف لمن يحتاج إليهم في عمله، وهذا ما يرفد الاقتصاد الوطني، ويحقق الاستقرار.
طبعاً ما تمّ تداوله عن الفوضى في الاجتماع، ومحاولات خطف الفرص فيه تغافل عن حقيقة مهمة، وهي أن السفارة ظلت سنوات طويلة مسرحاً لهزلية التطبيل والتهليل للمسؤولين، وإسكات أي صوت ناقد، فكانت هذه المناسبة مفتتحاً لعهد جديد يتوق فيه المغتربون إلى حرية الرأي، والإحساس بالمشاركة في بناء وطن يحملون بين جوانحه، وحتى أولئك الذين غيروا جلودهم وحاولوا التطهر بالقول يستحقون الشفقة والتماس العذر، عملاً بمبدأ “العفو عند المقدرة”.
والشهادة التي يجب أن تقال وتعلن أن الرياض وهي تضم أكبر الجاليات السودانية بين مدن العالم ظلت عصية على النظام، ولم تقم فيها جالية مدجنة كتلك التي قامت حيث وجد أبناء السودان، وهذا لم يحدث إلا عبر مجاهدات المخلصين الذين أحبطوا كل محاولات التحايل والتدجين.