مثلما يتبادر إلى ذهني أن حكومة حمدوك الإنتقالية مُطالبة بالحذر والإنتباه إلى مُهدِّدات كثيرة في إمكانها هزيمة الثورة وإجهاض شعاراتها ومبادئها ومطالبها المُستحقة ، أوضحها ما تقوم به فلول النظام السابق من حربٍ شعواء في شتى الإتجاهات على حكومة الثورة وبرامجها وأدائها وأحياناً شخوصها عبر الإعلام المضاد وحركة تأليب الشارع والتأثير عليه ، فضلاً عن نشر الشائعات والأكاذيب و(المُحبطات) عبر وسائط النشر الإلكتروني ،
ثم العمل الميداني في مجال صنع المشكلات والأزمات بأيدي كوادر دولة التمكين التي ما زالت متواجدة ومُسيطِّرة في معظم مؤسسات الدولة وبعض منظومات القطاع الخاص ذات التأثير الخدمي المباشر على المواطن والدولة ، فإنه أيضاً يتبادر إلى ذهني أن حكومة حمدوك الإنتقالية (غيرغافلة) عن مُهدِّد إستراتيجي يواجه مسيرتها ألا وهو شبح (الإحباط الجماهيري لما بعد الثورة).
على النخبة التي تقوم بأمر إدارة الفترة الإنتقالية داخل الحكومة أو خارجها الإيمان والإلتفات إلى حقيقة أن أغلبية من قاموا بهذه الثورة هم من (عامة) الناس وبسطائهم ، وأن ما يتفهَّمهُ (النُخب) والمثقفين في مجال المُخطَّطات طويلة المدى المُتعلٍّقة بتحسين الوضع المعيشي للناس (لا يتفهَّمهُ) عامة الناس بنفس الأريحية والبساطة ، على حكومة حمدوك أن (تؤجِّل) كل ما يفرضهُ المنطق التخطيطي لأولويات العمل الحكومي في هذا التوقيت الحرج (لصالح) دعم (المخزون) المعنوي للجماهير عبر إحداث تغييرات فورية وواضحة وملموسة في (المشهد الحياتي) للشارع السوداني ، خصوصاً في مجال (تحديد) أسعار السلع الإستهلاكية الأساسية والرقابة على حركة الأسعار في الأسواق وإحداث إختراقات مرئية في مجالات خدمية مجتمعية يترَّقبها الجمهور أهمها الخدمات الطبية المباشرة والمواصلات ، فضلاً عن إيجاد حلول لمشكلات نظافة المدن والصحة البيئية ، تحتاج حكومة حمدوك ولو على حساب برامج إستراتيجية مستعجلة تعكُف عليها الآن ، أن تدفع (عربوناً) مستعجلاً للمحبه والثقة بينها وبين الجماهير التي أشعلت الثورة حتى تضمن مرةً أخرى دعمها لها في المواجهات.
علم النفس الجماهيري يجب أن يكون مستوعباً ضمن الأدوات التي تعمل بها الحكومة الإنتقالية ، ومن وجهة نظري الشخصية فإن الخطاب السياسي وأجندة الأعمال والمخططات الإسعافية التي تعكف عليها الحكومة رغم موضوعيتها قد تُشكِّل سنداً معقولاً يدفع النُخبة إلى الإلتفات إلى ما تتحصَّل عليه الحكومة من إنجازات ، لكن صدقوني لن يلتفت إليها المواطن العادي والذي هو عماد الثورة ، وربما في غفلةٍ منا أصبح عماداً لثورةٍ مُضادة ، هو لن يلتفت في غمرة ما يعانيه من مشاق حياتية مُتنامية إلى كل ما تنجزونهُ الآن من إنتصارات وفتوحات وتغييرات ، لأنهُ لم يلامس ما تفعلونهُ وما تقومون بهُ في معيشته اليومية وقوت يومه الذي بات في تعثَّر يوماً بعد يوم ، الشعب السوداني البسيط يريد أن يرى بأم عينه منظومات الحكم المدني تراقب الأسعار في الأسواق ، يريد قراراً شجاعاً يقضي بتعيين مستشفيات مُحدَّدة تقوم بالكشف المجاني وتتحمَّل نسبة مُقدَّرة من تكلفة العلاج للمحتاجين ، يريد حلولاُ مرئية ومؤثِّرة لمشكلة المواصلات وقطوعات الكهرباء وولاية الدولة وتحكَّمها في ما يُفرض من رسوم دراسية ، يريد قراراً شجاعاً يقضي بتخفيض أو رفع الضرائب والجبايات عن سلع ومنتوجات بعينها حتى ينعكس ذلك على أسعارها ، يا قًوّاَد الثورة لا تأمنوا خطر (الرِدة الثورية) فليس كل من ينتظرون جني ثمار الثورة هم من قطاع النُخب والمثقفين.