كان عظيما جدا ان يبدأ رئيس الوزراء عبدالله حمدوك زياراته داخل الوطن من دارفور الجريحة ، هذه المنطقة عاشت أعظم المأسي في عهد المخلوع و شهدت أسوا كارثة إنسانية في تاريخ بلادنا و جاءت الثورة لكي تدمل جرحها بالوحدة بين جميع أطياف الوطن ، و تطيب خاطرها بمحاكمات عادلة لكل من ارتكب مجزرة فيها .
مازال السودانيون في صدمة من جريمة فض اعتصام القيادة العامة ، مازالوا في غضب و عدم تصديق ، فما بالهم اذا علموا أن ما حدث في دارفور كان أسوأ مما حدث في فض اعتصام القيادة العامة ؟ ما هو رد فعلهم اذا علموا أن ما عانته الخرطوم يوم فض الاعتصام و الأيام القليلة التي تلته قد عانت منه دارفور لسنوات! سنوات من الحرب و الترويع و القتل و الاغتصاب حتى بلغ عدد الشهداء في تقديرات الأمم المتحدة 300 الف قتيل .
لو كان لفض اعتصام القيادة العامة حسنة تذكر فهو انه قدم للعاصمة مشهد من مشاهد الحرب و الألم و الصدمة التي استمرت سنينا في دارفور ، و جعل الكل يشعر بإحساس المذنب تجاه بقعة طيبة من بلادنا تعرضت لابشع أنواع الظلم و المجازر التي لم يرها احد ، فالقبضة العسكرية للدكتاتور البشير و السيطرة الأمنية على الإعلام حرمت أهل دارفور من حق التغطية الإعلامية المحايدة للانتهاكات و المجازر كما حدث في اعتصام القيادة العامة .
في ٣٠ يونيو كان هتاف الثوار ( يا عنصري و مغرور كل البلد دارفور ) هتافا حقيقيا ، و مليئا بالشعور ذاته بالألم و المعاناة و الغضب ، فقد شهر الجميع بما شعر بيه مواطنوا دارفور قبل سنوات عددا ، لذلك كان حمدوك موفقا جدا حين بدأ أولى زيارته من هناك ، من أرض الألم و النزوح من معسكرات اللاجئين ، و هل ثمة ألم أعظم من ان يكون المواطن نازحا داخل بلاده ! و بيد من ؟ بيد سلطة بلاده التي شردته و كان من المفترض أن تحفظ له امنه و استقراره و معاشه و خدماته، و لكنها دولة الدكتاتور الذي لا يشفي غليله غير الدم و لا يضحك الا لرؤية الألم و القهر .
دارفور تحتاج لعون ضخم من الحكومة الانتقالية ، فالنازحين و اللاجئين من سكانها تتعدى ارقامهم ٢.٥ مليون مواطن، و هو رقم نزوح داخلي لا مثيل له في العالم حاليا، و حسب تقارير المفوضية الأوربية فإن ٩٠% من هؤلاء النازحين يأكلون وجبة واحدة في اليوم ، هذا غير المعاناة في الحصول على الماء الصحي و العلاج .
الأوضاع في معسكرات النزوح كارثية بمعنى الكلمة ، ابتداءا من المنازل مرورا بالغذاء و الكساء و الدواء وصولا لانعدام الأمن داخلها و تعرض سكانها للتضييق و الاعتقالات و التعذيب أيام حكومة المخلوع ، و حيث ان الثورة قد أطاحت بالمخلوع فإن الآمال أصبحت تتراقص أخيرا امام اعين الدارفوريين .
يحتاج مواطنو دارفور للسلام لكي يعودوا إلى ديارهم ، إلى زراعتهم و ماشيتهم و حياتهم الغنية بالسلام و القرآن و الاطمئنان ، و يحتاجون بعد سنين من النزوح إلى دعم خاص عبر تمييز ايجابي لهم عن بقية مناطق الوطن من أجل بناء المجتمع و توفير الخدمات من صحة و تعليم و طرق و مساكن .
سوف تكون زيارة رئيس الوزراء حمدوك بكل تأكيد حجر أساس لإعادة الاعتبار لدارفور و اهلها ، و خطوة لوضع أسس للوحدة و البناء في المرحلة القادمة و التي بلا شك سوف تتوج باتفاق سلام تاريخي يقود دارفور إلى السلام و الأمن و الاطمئنان .
sondy25@gmail.com