صحيفة الإنتباهة الصادرة أمس الأربعاء وفي عنوان رئيسي أوردت خبراً مفادهُ (إستياء) قيادات عُليا في الجيش من ملابس د. عبد الله حمدوك التي إستعرض بها الحرس العسكري إبان زيارته الأخيرة لمدينة الفاشر ، والإنتباهة لا يخفى على أحد إلى مَن تؤول أفكارها وتوجهاتها و(مراميها) في عهدنا هذا الذي لا سمة فيه تعلو على قيَّم الحرية والنزاهة والعدالة بمعناها المُطلق ، فإن كان رجلاً في مقام حمدوك وبعد كل ما إكتسبه من خبرات في مجال العمل الدبلوماسي والإجراءات البروتوكولية عبر وجوده المهني في أهم المنظمات الدولية ، لا يعرف حتى الآن ما يجب أن يكون عليه الجانب (الشكلي) من شخصيته كقائد ومسئول أول في البلاد ، لم يبقى إلا نقول في هذا المقام (على الأرض السلام).
وقد ظللنا عبر كتابات عُدة نؤكِّد أن جزءاً كبيراً من أوجُه الفشل السياسي والإداري والإقتصادي في السودان يعود إلى (تخلُّف) وإزدواجية إتجاهاتنا (الثقافية) في شتى المواضيع ، بعضها (شكلي) وبعضها يصُب في عُمق المضامين ، لذا فإن (بعض قيادات الجيش) تحتاج بشدة إلى تغيير ثقافتها حول رؤيتها فيما يدور من أشكال الحِراك (المدني) الذي تنتمي إليه مدرسة حمدوك التي تعتد في أدبيات العمل العام بمفاهيم (جديدة) أهمها التواضع وإبراز الروح (العملية) في أداء المهام وهذا منهج مُتبَّع في شتى دول العالم ، أما الزي المدني البسيط الذي إستعمله السيد رئيس الوزراء فهو وبحسب هذا المنهج يتناسب مع طبيعة المهمة المُعلنة والتي هي بالأساس (مهمة ميدانية) وتفقُّدية في مناطق وأماكن ومعسكرات سكنية لا تتوافق أوضاعها مع الزخم الشكلي والبروتوكولي لمثل هذه الزيارة .
ولا أستبعد أبداً أن حمدوك نفسهُ قد تفاجأ بطابور العرض العسكري و(الشكليات) البروتوكولية التي (أُقحِمتْ) في برنامج زيارته التي كان يستهدف منها الإحتكاك المباشر والميداني مع قضايا النازحين والمتضررين من الحرب في دارفور النازفة ، كما لا أستبعد أبداً إن كان السيد رئيس الوزراء قد ظهر في تلك الزيارة بزيه الرسمي والبروتوكولي الكامل أن ينبري أحد النُقاد ليقول كيف لهُ أن (يتفاخم) ويتعالىَّ من برجهُ السامي في محفلٍ لا يحوي بين طياته سوى المعاناة والبؤس والشقاء ، إنها ببساطة ثورة الصدق مع الذات والآخرين وهي أيضاً ثورة الإنحياز للمضامين (البحتة) والخروج من دائرة الزيف الزائل و(لِباس) ما لا يتناسب مع واقعنا الحقيقي ، فلتذهب ربطات العُنق والبروتوكولات والشكليات إلى الجحيم إن كانت مؤشِّراً لـ (إبتعاد) المسئول عن قواعده الشعبية وخُلو ذهنهِ وضميره من هموم الذين ينسِجون حول وجوده بينهم الآمال والتطلُّعات المشروعة ، آن الأوان لتلك القيادات العُليا في الجيش أن (تستاء) وتلتفِت بملاحظاتها إلى ما يعانيه الوطن والمواطن من مظالم و(غياهِب) ، وأن تستعد لرؤية (أشكالٍ) عُدة من الإنحياز المدني لقيَّم التواضع و(التحرُّر) من قيود الشكليات الزائفة التي طالما أقعدت من مسيرة هذه الأمة نحو النماء والتقدُّم ، أما صحيفة الإنتباهة فلن نلومها أبداً على (إصطياد) الأوهام عبر إنتقاص مجهودات الرجال ووطنيتهم في مستنقعات الماء العِكر فذلك بعضٌ من أهدافها الجِسام ، وأجمل (قميص) قميصك ياريِّس ، سِر وعين الله ترعاك.