الخرطوم – التحرير:
الأحداث المتسارعة داخل الحركة الشعبية – قطاع الشمال- دفعت المشهد السياسي إلى الدخول في حالة من الصمت والترقب، لما ستؤول إليه مجريات الأحداث داخل أكبر حليف لقوى التغيير بالداخل، وتأثير ذلك في مستقبل السلام والتحول الديمقراطي.
(التحرير) التقت الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني أحد أبرز الأحزاب المهندسة لاتفاق (نداء السودان) بكري يوسف لتقلب معه أهم تأثيرات هذا الحدث على مستوى تحالفات القوى المعارضة، وعلاقاتها مع المجتمع الدولي، ومستقبل السلام في السودان.
* لماذا لا توجد مبادرة من قوى (نداء السودان) لمعالجة ما يجري داخل الحركة الشعبية؟
– منذ نشوء الأزمة ظللنا على تواصل مستمر مع كل الأطراف التي هي جزء من الصراع، وبُعثت رسائل كثيرة من قيادات قوى (نداء السودان) من بينها حزبنا المؤتمر السوداني، الذي تربطة علاقة مميزة مع الحركة الشعبية وقياداتها، وبذلنا مجهوداً لتتجاوز الحركة الإشكالات التي تمر بها؛ ونعتقد أن الفرصة لا تزال مواتية ورسائلنا تتمثل في أن قيادة الحركة ترتقي فوق الصغائر، وتتوجه ضد العدو المشترك، الذي ينبغي على كل القوى سياسية أن توجه سلاحها في اتجاهه، ولم تك هنالك مبادرة علنية لتعقيدات الصراع، لكن الجهود لحل الأزمة موجودة.
* إلى أي مدى يؤثر ما يجرى داخل الحركة الشعبية من صراع في عملية السلام الشامل؟
– بالتأكيد هذا الصراع سيخلق تأثيرات في المسار العام، خصوصاً أن النظام منذ وقت باكر أحدث تقدماً على قوى المعارضة في المسار الذي له علاقة بالمجتمع الدولي، أيضا الآن أتته فرصه أخرى يرجح ميزان القوة لصالحة، بحسبان أن ما يدور داخل الحركة الشعبية المتأثر الأساسي فيه ليس الحركة الشعبية، وإنما المتأثر الأساسي هو الوطن وقضايا السلام، وما يخص قضية التغيير ككل، بوصف أنها واحدة من القضايا الأساسية التي كانت تحقق تعديلاً لصالح قوى التغيير و(قوى نداء السودان)، ومحاولة النظام الاستفادة من الصراع ؛لهدم الوجود القوي والمتماسك لجسم مهم مثل الحركة الشعبية.
* ذكرت أن الحكومة أحدثت تقدماً على قوى المعارضة في صعيد المجتمع الدولي، إلى ماذا تعزي هذا الأمر؟
– هذا يعود إلى عدد من الأسباب، أهمها التغييرات الجارية في المحيط الإقليمي والدولي، وخاصة القوى الفاعلة والمؤثرة كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لديها إستراتيجية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا عموماً، الإستراتيجية قائمة أساسا على أن أي دول تتعاون معهما يستطيعوا أن يوفروا لها قدراً من الشروط التي يمكن من خلالها أن يحدث الاستقرار ولو جزئياً، ليحقق لهم أهدافهم.
النظام الحاكم الآن أكثر الانظمة في المنطقة تعاوناً مع المجتمع الدولي، وقد حقق المجتمع الدولي كثيراً من خططه عبر هذا النظام؛ والمصلحة التي يجنيها النظام من هذا التعاون هو كيف يستمر في السلطة، بغض النظر عن وجود منهج أو مشروع، وإنما البقاء في السلطة هو الهدف الأساس ، ولذلك من السهل على المجتمع الدولي أن يصل إلى تفاهمات سريعة تحقق مصالحة مع نظام هدفه الأساسي البقاء في السلط ، وما حدث هو أن النظام ضحى بالقضايا الوطنية في سبيل نيل رضا المجتمع الدولي، ولم يكن لديه سقف أخلاقي يتعامل به في مسألة صراعه مع المجتمع الدولي، لذا كان لديه ما يقدمه كالأرض من خلال ما يجري من سيطرة دول على مناطق سودانية، وقدم قوائم بحلفاء الأمس من الإسلاميين وتعاون مع المجتمع الدولي فيما يخص ملف الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وهذه القضايا هى الآن محل اهتمام المجتمع الدولي؛ بالمقابل ضاعت قضية السلام والحريات للمواطن السوداني؛ لأن الحكومات المسيطرة على الدول المؤثرة في الصراع اليوم هي لم تكن معنية بالقضايا التي تهم الشعب السوداني، والقوى السياسية، وإنما ركزت في قضاياه ،وقد حدث فيها اختراق، ومن ثم اكتفت بما أنجزته، لهذا نقول أن النظام حقق تقدماً على القوى السياسية.
* لكن هنالك وجهة نظر أخرى ترى بأن تقدم الحكومة فيما يخص إقناع المجتمع الدولي كان سببه ما طرحته من قضايا كالحوار الوطني؟
– في هذا الخصوص أقول إننا توصلنا منذ وقت مبكر في حواراتنا مع المجتمع الدولي إلى أن ما يتم في الداخل لا يمكن أن يطلق عليه حوار، والمجتمع الدولي نفسه أطلق عليه في الفترة الأخيرة الحوار (المنقوص)؛ ونحن نطلق عليه حوار غير جدي ولا مثمر، وليس من شأنه إحداث اختراق حقيقي لمشكلات البلاد، أقلها اذا ما أجرينا محاكمة على هذا الحوار وفقاً للمحاور الستة التي طرحها رئيس الجمهورية، للأسف نجد أن الحوار لم يحدث أي تغيير ملموس في كل هذه المحاور، فالحرب ما زالت مستمرة، كذلك الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى إشكاليات العلاقات الخارجية والدبلوماسية، وكذلك القضايا المتعلقة بالسلام، وفي تقديري أن النتيجة النهائية لما يسمى بالحوار الوطني أو (حوارالوثبة) هي استمرار قانون جهاز الأمن بصلاحيات أكبر، واليوم المعتقلات ممتلئة ببعض قيادات الحوار الوطني، على سبيل المثال المجموعة التي انشقت من العدل والمساواة، والتحقت بالحوار الآن قياداتها في المعتقل، ود.مضوي إبراهيم رئيس لجنة الهوية ، لهذا فإن أي حوار لم تتوافر فيه الجدية والإرادة لا يمكن أن ينجح، ولا يمكن أن تحاور والسيف على رقبتك؛ وهذا ما يحدث، لذا فإن الحوار ما لم تتوافر له مناخاته؛ فإنه يحدث مزيداً من التعقيدات، ولن يحل قضايا البلاد.
* كيف ينظر تحالف (نداء السودان) إلى مستقبل عملية السلام في ظل هذه العقبات خاصة صراع الحركة الشعبية؟
– لا تزال الحركة الشعبية من مكونات نداء السودان بوصفها طرفاً أصيلاً في كتلة الجبهة الثورية، ونحن نتوقع أن تتجاوز الحركة الأزمة التي تمر بها أياً كان المنهج الذي ستتجاوز به خلافاتها ،وسنظل قريبين منها، وإذا توافرت إمكانية إي تدخل لحل الأزمة سنتدخل، لكن الآن مسار السلام متوقف، وليس السبب وجود مشكلات داخل الحركة الشعبية، وإنما لأن النظام قفز من خريطة الطريق مستغلاً الظروف الإقليمية والدولية، ومضى في مسار ليس له علاقة بمسألة الحل السياسي الشامل، وللأسف الشديد أن المجتمع الدولي ساعده على السير في هذا الاتجاه، وحتى الآن لم يقل كلمته.
*ما موقف أميركا والاتحاد الأروبي من رؤية (نداء السودان) ومشروعه البديل؟
– للأسف الشديد، في الفترة الأخيرة الولايات المتحدة كانت أحرص على أن تمضي في اتجاه الحلول الجزئية السهلة، وذلك لأن الإدارة الأميركية السابقة كانت تريد تحقيق مكاسب لتقول لخلفها بأنهأ أسهمت في حل الأزمة السياسة في السودان، ولكي تستخدم هذا المكسب في معركة الانتخابات، وعقب فوز الرئيس الجديد ترمب استمر المنهج نفسه بالعقلية ذاتها التي تدار بها أمورنا في الولايات المتحدة الأميركية. قوى المعارضة كان لديها رأي واضح في هذه القضية حتى أن المقترح الأميركي الذي تقدمت به لاستمرار الحوار بين الطرفين كان منحازاً للحكومة، ولم تقبل المعارضة، وحدث تباين في وجهات نظر المعارضة، ونحن في المؤتمر السوداني كنا نرى أن المقترح الأميركي فيه قصور في بعض الجوانب أولها انحيازه لموقف الحكومة، علاوة على أنه لم يراع الملاحظات التي قدمتها الحركة الشعبية، تحديداً فيما يخص توصيل المساعدات الإنسانية، رغم التنازلات التي قدمتها الحركة في هذا الخصوص، كأن أميركا تريد أن تعطي الحكومة حقاً لم تستطع أخذه بالقوة، والاتحاد الأوربي أصدر عدداً من البيانات تمضي في تأييد الخطوات الأميركية، لكن المهم في تقديرنا أن ما حدث داخل الحركة الشعبية سيكون له تأثيره.
* كيف تنظر إلى الإجراءات الحكومية الأخيرة بشأن تقنين أوضاع قوات الدعم السريع والدفاع الشعبي؟
– النظام يدفع استحقاق انتقاله من المحور الإيراني إلى المحور الخليجي، وهذا الموقف في تقديرنا قائم على صفقة رخيصة، بأن دول الخليج التي تقاتل الحوثيين في اليمن ليس لها جنود مقاتلة مع أنها تمتلك المال والعتاد الحربي، والخيار الأمثل والسهل هو الاستعانة بالسودان للقتال في اليمن، والحكومة قبلت بهذه الوضعية، وزجت بأبناء القوات المسلحة، وحينما واجهت إشكالات في توفير الأعداد المطلوبة للقتال لجأت إلى الميليشيات بعد أن قننت وجودها بقوانين جديدة، بموجبها أصبحت هذه القوات تتبع للقوات المسلحة، وربما نقرأ الخطوة التي تتعلق بتقنين أوضاع الدعم السريع والدفاع الشعبي؛ لأن النظام يريد أن يغلق الباب أمام المعارضة فيما يخص مسألة الترتيبات الأمنية، وذلك في حال جاء سلام واتفاق في ترتيبات أمنية، وتحدث عن حل الميليشيات، فإن النظام سيتنصل من وجودها بالمسميات القديمة.
* هل مشروع ( نداء السودان ) كان مشروعاً للتسوية مع النظام، خلاف برنامج قوى الاجماع الوطني الذي يدعو إلى إسقاط النظام؟
– هذا التحليل كان كذبة خرجت وصدقت بأن اتفاق ( نداء السودان) صمم من التسوية مع النظام الحالي.
* من أطلق الكذبه؟
– لنترك هذا الآن.. ولكن هو صاحب المصلحة، و(نداء السودان) جسم معارض للنظام لديه مشروع متكامل للتغيير، وتقوم على أساس الحل السياسي الشامل الذي يقوم على العمل الجماهير المتصاعد، الذي يؤدي إلى إسقاط النظام، ومن آليات المشروع تقديم بديل موضوعي للشعب السوداني.
* ماذا حقق نداء السودان حتى اليوم؟
– حقق رؤية بديلة لحوار جاذب ومثمر، وهذا يتعارض مع التسوية كمفرده شابها ما شابها من الشوائب في العملية السياسية، كأنما التسوية هي انبطاح، ولكن بغض النظر عن هذا قدم (نداء السودان) مشروعاً موازياً لمشروع الحوار الذي قدمه المؤتمر الوطني، وقد وجد المشروع وضعيته وسط الفاعلين سواء أكان مجتمعاً دولياً أو محلياً كقوى سياسية.
* هل هناك أحزاب كانت تقف في وجه هذا المشروع؟
– بعض الأحزاب المنضوية تحت قوى الإجماع.
* الحزب الشيوعي هل من بينها؟
– أبداً الحزب الشيوعي منذ البداية كانت الرؤية بالنسبة إليه واضحة، ولكن حزب البعث العربي كانت له تحفظات، وهو أكثرالأحزاب التي كان لها رأي في استيعاب مسألة التسوية .كما طرحت في اتفاق (نداء السودان) ،وكان رهانهم أن المآلات النهائية لمشروع الحوار الذي يطرحه (نداء السودان) الوصول إلى (قاعة الصداقة)، ونحن راهنا على مواقفنا. وحوار قاعة الصداقة أكمل مشواره ولم نر أي حزب من مكونات (نداء السودان) قد شارك في حوار الوثبة، بل نعتقد إننا حققنا مكاسب مهمة منها إنجاز وثيقة الدستور الانتقالي، ومضينا أشواطاً واسعة في السياسات البديلة التي تقوم عل تقديم وصفات وحلول موضوعية لإشكاليات الأزمة، كتحديد البدائل المطروحة لقضايا الاقتصاد والزراعة والتعليم والصحة، وبمعنى آخر مشروع السياسات البديلة هو كتاب متكامل سنسعى في مقبل الأيام إلى أن نملكه لكل أفراد الشعب السوداني لندير به حواراً حقيقياً.
* هل انحياز المجتمع الدولي إلى الحكومة في هذه المرحلة نتيجة لغياب الثقة في المعارضة؟
– علاقتنا مع المجتمع الدولي لا تقوم على الثقة، هذه لعبة السياسة نلعبها نحن بوصفنا معارضة، وكذلك الحكومة، في وقت ما يحقق النظام اختراقات، وفي وقت آخر المعارضة تتقدم، وفي الوقت الراهن النظام يحقق تقدماً على المعارضة، لكننا لن نظل على هذا الحال، ولدينا بدائل نسعى إلى تحقيقها من خلال الضغط عبر منظمات مجتمع مدني فاعلة ،ولدينا تصور كامل لتفعيل قطاعات المجتمع السوداني الموجودة في الدول المؤثرة، حتى يتم التأثير في الناخب في المجتمعات المتقدمة، ليكون الشأن السوداني القضية المركزية له، بخاصة قضايا السلام والتحول الديمقراط ، وهذه في تقديري المعركة المقبلة، ولن ننسحب من ميدانها تحت أي مبرر، ونؤكد أن العلاقة مع المجتمع الدولي لا تقوم على الثقة وعدمها، ولا الحب والكراهية، وإنما على أساس المصالح المتبادلة، والحوار الإستراتيجي، ومن خلال هذا الحوار الإستراتيجي نريد أن نوصل مفهوماً أساسياً، وهو أن هذا النظام لا يمكن أن يكون حليفاً في قضايا الإرهاب؛ لأنه قائم بشكل أساسي على مسألة الإرهاب، ولا يمكن أيضاً أن يكون النظام حليفاً في قضايا الهجرة غير الشرعية؛ لأنه سبب مباشر في دعم الهجرة؛ لأنه أشعل الحروب في البلاد.
* موقف الحياد الذي اتخذته الحكومة من أزمة الخليج، كيف تنظر إليه؟
– الحياد في هذه المواقف ضرره أكثر من نفعه، وهذه عقلية السمسار، وهو الدور الذي تؤديه الحكومة في هذا الوقت، ونحن في تقديرنا أن الحكومة ليست بالقدرة التي تجعلها تخوض في إدارة حوار إستراتيجي مع دول الخليج أو إيران لتمثل فيه إرادة الشعب، وكل ما تقوم به من صفقات مع السعودية في عاصفة الحزم، ومواقفها الآن من قطر، وقبله إيران، كلها تصب في إطار سياسة رزق اليوم باليوم التي تنتهجها للبقاء في السلطة.