توقعنا أن تنفذ اللجنة الأمنية تعليمات البشير القاضية بفض الاعتصام
على رموز النظام السابق الاعترافات الآتية: خطأ الانقلاب وخطيئة النظام الاستبدادي وخطأ تطبيق الإسلام
لا بد من آلية لتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية
ما تواجهه حكومة حمدوك من مشاكل موضوعية وليست مفتعلة
لن يحصل سلام في المنطقة بدون معاهدة تعايش أمني بين العرب وإيران وتركيا
حوار: إسماعيل محمد علي
يطالب رئيس حزب الأمة القومي في السودان الصادق المهدي بإيجاد آلية لتسليم الرئيس عمر البشير إلى المحكمة الجنائية. وفيما يؤكد أن سقوط النظام السابق كان مفاجئاً في توقيته، يحمّل مسؤولية مجزرة فض اعتصام القيادة العامة إلى جهات رسمية.
ويقول المهدي في حوار مع “اندبندنت عربية” إن القاعدة وداعش نتاج ردود فعل لسياسات دولية في المنطقة، وإن طريقة محاربتهما الآن فيها كثير من الأخطاء ولا بد من أن تتم بصورة مختلفة ومن زاوية فكرية وليست أمنية.
ويهاجم المهدي السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط لانحيازها الواضح إلى إسرائيل، مما عزز الغضب في العالمين الإسلامي والعربي، معتبراً الدعوة إلى التطبيع خيانة للأمة العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية. واشترط للتعايش مع إيران باعتبارها جزءاً من المنطقة، أن تمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
عائدة وراجحة
ينطلق المهدي، في إجابته عن سؤال عما إذا كان سقوط نظام عمر البشير متوقعاً أم مفاجئاً، أجاب “كما تعلم، أنني أصدرت في عام 1990 كتاب الديمقراطية عائدة وراجحة، ودائماً ما أقول إن هذا النظام يحمل بذرة نهايته، لكن ما حدث من تغيير كان مفاجئاً لنا، على الرغم من سوء الأحوال الاقتصادية التي ألهبت الشارع في العاصمة والأقاليم وقادت لموكب السادس من أبريل (نيسان)، صحيح كنا معارضين للنظام وعملنا من أجل إسقاطه، إلا أن التوقيت الذي سقط فيه النظام كان مفاجئاً وغير متوقع بتاتاً لأننا كنا نتوقع أن تنفذ اللجنة الأمنية المكونة من قيادات القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات والدعم السريع تعليمات البشير القاضية بفض اعتصام المتظاهرين أمام مبنى القيادة العامة بالقوة، وما حدث أن اللجنة قررت عزله، وهو ما حدث بالفعل”.
لا يشكك المهدي في وجود “جهة مسؤولة” عن فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو (حزيران)، قائلاً “في النهاية، الجهات النظامية هي المسؤولة عن أمن المواطنين وتتحمل ما حدث”. ويلفت إلى أنه كان يعتقد أن المجلس العسكري آنذاك أصبح يطبع علاقاته مع الاعتصام، متوقعاً أن تتوصل اللجنة التي شكلت أخيراً للتحري وتقصى الحقائق بشأن هذه المجزرة إلى الحقيقة المجردة، خصوصاً أن هناك توثيقاً بالفيديو والصورة لوقائع هذا الحدث.
اعترافات وإجراءات
وعن رؤيته في كيفية التعامل مع رموز النظام السابق بشأن ما ارتكبوه من جرائم بحق الوطن والشعب السوداني، يوضح المهدي، “رأيي هو أن عليهم جميعاً أن يقوموا بإجراءات محددة تشمل الاعتراف بخطيئة الانقلاب العسكري عام 1989، والاعتراف بخطيئة النظام الاستبدادي الذي استأثر بالسلطة والثروة، والاعتراف بخطأ تطبيق الإسلام”، مضيفاً “عليهم أن يقبلوا بهذه الاعترافات وأن يقوموا بمراجعات لوضعهم وأن يكونوا مستعدين للمساءلة القانونية وفق قوانين عادلة وليس من أجل الانتقام، تشمل قانون من أين لك هذا، لأن هناك سرقات كثيرة جداً وفساداً فاحشاً، فأموالهم موجودة في بريطانيا وماليزيا ودبي ومناطق مختلفة في العالم، إضافة إلى ما يمتلكونه من قصور وعقارات ضخمة، فالتعامل مع هذه الجرائم والمخالفات سيكون بالقانون وليس الظن، وليس مثل اجتثاث البعث كما حصل في العراق بل وفق خطة رشيدة وبالقانون”.
المحكمة الجنائية
ويعتبر المهدي، لدى تناوله موضوع تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية في لاهاي لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أن “لا بد من أن نطبع علاقاتنا مع الأسرة الدولية، وهذا يتطلب ألا نتأخر في الانضمام إلى المحكمة الجنائية، ومعلوم أن نظام روما هو نظام قضائي مكمل بمعنى أنه إذا ما كان لديك قضاء نزيه يمكن أن يقوم بمهمة المحاكمة فإن المحكمة الجنائية مستعدة أن تقبل بذلك، وهناك كلام بأن القانون الجنائي السوداني لا يسمح بتسليم مواطن سوداني إلى المحكمة الجنائية، وهذا القانون صنيع النظام السابق لكي يحمي نفسه وهو قانون ظالم، لكن لا بد من أن تكون هناك آلية لتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية، وهي بالفعل تختص بمحاكمة المتهمين في جرائم شن الحرب العدوانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية”.
دعم حمدوك
وعن تقييمه مسار الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك يجيب المهدي أن “أمام الحكومة مشاكل كثيرة، لذلك فإن أداءها أقل من المستوى المتوقع، ويرجع ذلك حقيقة إلى وجود تركة ثقيلة، مع ذلك من واجبنا أن ندعمها لأن ما تواجهه من مشاكل موضوعية وليست مفتعلة، وواضح أن المسألة الاقتصادية تواجه صعوبات كبيرة وتحتاج إلى مزيد من الوقت والصبر للعبور إلى ما هو مطلوب”.
ويشير في تعليقه على تعويل الحكومة على المجتمع الدولي للخروج من الأزمة الاقتصادية، إلى أن “المجتمع الدولي لن يتعامل معك بصورة طبيعية إلا في حال رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأن يكون هناك تطبيع مع الأسرة الدولية، وأتوقع أن تكون هناك استجابة في هذا الشأن، خصوصاً أن الأسرة الدولية تعلم ضرورة دعم السلام والاستقرار في السودان، لأنه إذا ما اهتز الاستقرار سيبقى السودان أكثر منطقة جاذبة لحركات الغلو لتجتمع فيه”.
نداء المهتدين
وحول تجاذبات المحاور الإقليمية والدولية وكيفية الموازنة بينها من دون التأثير في مصالح السودان، يُذكّر المهدي بـ”مشروع منتدى الوسطية العالمية باسم نداء المهتدين ويقوم على إنهاء الفتنة بين السنة والشيعة لأنها تسببت في مشاكل كثيرة ولا بد من احتوائها، وإنهاء الحرب في اليمن، وضرورة أن يكون هناك صلح داخل مجلس التعاون الخليجي باعتبار أن النزاع يضر كل الأطراف، خصوصاً إذا ما نقل إلى مسارح خارجية كما يحدث في ليبيا، ولا بد من أن تدرك الدول العربية الغنية إذا كانت تريد مصلحة مشتركة وكسب الرأي العام السوداني أن يتفقوا على مشروع مارشال لدعم الوضع الاقتصادي في السودان، وفي اعتقادنا أنه لن يحصل سلام في المنطقة إذا لم تبرم معاهدة تعايش أمني بين العرب وإيران وتركيا تبنى على عدم التدخل في الشؤون الداخلية”.
تدخلات إيران
وكيف ينظر المهدي إلى تدخلات إيران في منطقة الخليج وأطماعها في المنطقة؟ يجيب “كثيرون من الناس لا يفهمون المنطق الإيراني، وهناك تيارات إصلاحية في إيران مستعدة للتعاون، كما يوجد في داخل الشيعة العرب في لبنان والعراق مجموعات معتدلة مستعدة للدخول في مصالحة مع أهل السنة، ومن الخطأ اعتبار الشيعة جميعهم كأنهم عملاء لإيران، وكذلك من الخطأ التعامل مع إيران في ظل السياسة الأميركية التي لها أهدافها وهي متجانسة مع السياسة الإسرائيلية، ومن هذا المنطلق أرى ضرورة التعايش مع إيران باعتبارها جزءاً من المنطقة، لكن بشرط أن تمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة”.
وفي شأن ما يجري في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، يقول “بالطبع هناك أياد أجنبية، وهناك دول لها مصالح كونية، وأرى أن هذه الحروب مضرة لكل الأطراف، ولا بد من إيقافها لأنها استنزفت ما لدينا من موارد مادية وبشرية في بلادنا العربية”.
القاعدة وداعش
يتابع المهدي “بالنسبة إلى تنظيم القاعدة، فقد اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بأن بلادها هي من صنعته ودعمته بالسلاح والتمويل والتدريب لمحاربة الاتحاد السوفياتي، وتلقائياً رأى القاعدة أنه بعد طرد السوفيات من أرض المسلمين في أفغانستان فإنه من الواجب طرد الأميركيين أيضاً، وبلا شك أن القاعدة بتكوينه له صلة بالسياسة الأميركية في المنطقة، أما في ما يتعلق بتنظيم داعش فإن احتلال العراق بالطريقة التي حصلت أوجدت غبناً عند أهل السنة هناك، وبالتالي رأى فرع القاعدة في أرض الرافدين أنه من الواجب أن ينتصر لأهل السنة في العراق نظراً لسيطرة الشيعة على الوضع برمته، وحقيقة لولا غزو العراق واحتلاله لما كان هناك داعش، ولولا غزو أفغانستان واحتلالها لما وجد القاعدة، فالقاعدة وداعش نتاج ردود فعل لسياسات دولية في المنطقة”.
لكن، هل في الإمكان تلاشي هذا الفكر المتطرف، يوضح المهدي “من الممكن أن يتم ذلك تلقائياً لأن القاعدة وداعش منطلقان من مفهوم إسلامي منكفئ، وقد أصبح لديهما قوة وهدفهما تكوين خلايا للمسلمين، والمدهش أن محاربتهما بالطريقة الجارية الآن خطأ، لأن قضيتهما ليست أمنية فحسب بل فكرية وعقائدية، فهما يصنفان نفسيهما بأنهما من ضحايا الأثر الفكري للصليبية والصهيونية، ما يزيد من قدرتهما على التجنيد، لذلك لا بد من المراجعة والتعامل مع هذا الموضوع بصورة مختلفة ومن زاوية فكرية”.
التطبيع خيانة
ختاماً، يقول المهدي، “السياسة الأميركية منحازة لإسرائيل، ما يعزز الغضب الإسلامي في العالمين الإسلامي والعربي”. ويعتبر أن الدعوة إلى التطبيع في غير محلها من منطلق أن سياسة إسرائيل أغلقت باب أي تصالح، فقد وضع الإسرائيليون قانوناً يجعل إسرائيل دولة اليهود، أي أن المواطنة الإسرائيلية تنطلق من هوية يهودية، وهو ما يحرم عدداً كبيراً من المواطنين العرب من حق المواطنة، ويعيد ما حدث في جنوب أفريقيا، فضلاً عن أن السياسات الإسرائيلية أنهت فكرة قيام دولتين، وبالتالي إن أي حديث عن التطبيع هو خيانة للأمة العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية.
ويرى أن لا بد من سلام ينطلق من القبول بتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.