النظام المخلوع لم يترك دولة عميقة بل دمر مؤسسات الدولة
على الأحزاب السياسية أن تجدد مؤسساتها والالتزام بالديمقراطية
قوى ممانعة مسلحة حولت ملف السلام إلى مزاد سياسي
الحزب الشيوعي يتصرف باستهتار ويطلق قذائف في كل الاتجاهات
عقد حزب الأمة القومي لقاءً حاشداً في دار الحزب بمدني خاطبه السبت (9 نوفمبر 2019م) رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي بمناسبة المولد النبوي الشريف.
وتناول المهدي ثمانية موضوعات، من بينها “الموقف السياسي الراهن”، فقال: “لقد حرصنا على إنجاح مرحلتي الثورة الأولى بقيادة المجلس العسكري، والثانية بقيام النظام المشترك الانتقالي. ودعمنا الحماسة الثورية ورشدناها بالحكمة حتى قيام النظام الانتقالي المدني العسكري المشترك”.
وأوضح ما رآه تحديات يواجهها النظام الانتقالي، ولخصها في “التركة المثقلة من إخفاقات أمنية واقتصادية ودبلوماسية تركها النظام المخلوع”، و”محاصصة بعض القوى المعارضة تسلقاً، وظهور قلة كفاءتها واستهتارها بتصريحات كأنها معدة لإثارة ردود فعل مضادة”.
وطالب المهدي المهنيين “بأن يطوروا جماعتهم إلى حزب سياسي ديمقراطي أسوة بنهج حزب العمال البريطاني، أو المشاركة في إصدار قانون جديد للنقابات وتكوين نقابات مهنية انتقالاً من الموقف الاستثنائي واستعداداً لبناء الوطن”.
كما دعا الصادق المهدي “الأحزاب السياسية التي شاركت في تقرير المصير السوداني عليها أن تفصل بين المكون الديني والمكون السياسي، وأن تجدد مؤسساتها الحزبية لاستيعاب المستجدات والالتزام بالمؤسسية والديمقراطية”.
وخص الحزب الشيوعي وهو في رأيه “من شيوخ المعارضة” بقوله إنه “يتصرف باستهتار من ناحية الحرص على المشاركة، ومن ناحية أخرى إطلاق قذائف في كل الاتجاهات: هجوم غر لا يخاف عواقبا. ما يجعل أمثالنا يقولون: مع أصحاب مثل هؤلاء، من يحتاج لأعداء؟”.
وأكد المهدي أن “النظام المخلوع لم يترك دولة عميقة بل دمر مؤسسات الدولة، ولكن ترك أربعة وجوه للتمكين: هياكل حزب حاكم حائزة على امتيازات رسمية، وكوادر حزبية محتلة مؤسسات الحكم، وشركات ممتدة في قطاع خصوصي وإعلامي، ومليشيات مقنعة”.
وقال: “إن قوى ممانعة مسلحة بدل توحيد موقفها لتثمير فرصة تاريخية نادرة لتحقيق استجابة قومية واعدة لإزالة كافة أسباب النزاع مرة واحدة دخل كثير منها في بورصة مزايدات تنذر بتحويل ملف السلام المهم إلى مزاد سياسي”.
وأوضح المهدي أن بعض حلفائهم “في الحرية والتغيير لم يراجعوا أخطاء كثيرة ارتكبت، بل زادوا الطين بلة بإقصاء قوى سياسية شاركت في الثورة، وتستحق المشاركة في المرحلة الانتقالية”.
وعن النظام البائد، قال: “ليس كل الذين شاركوا في النظام المخلوع معنيين بالمساءلات، ولكن هنالك خطايا سياسية تشمل كل المشاركين في نظام قلب نظام حكم ديمقراطي، ومارس إقصاء الكافة، وارتكب المذابح”.
وعن موقف حزبه ذكر المهدي “أنه مهما كانت التحفظات فنحن ندعم مؤسسات الحكم الانتقالي، ونجهز أنفسنا لمواجهة الغلاة ودعاة الردة في كل المستويات وفي الأحياء وفي المحليات وفي العواصم، ونشد من أزر مؤسسات الحكم بالتأييد وبالنصح، ونقول إنه في حالة تعثر المسيرة بسبب جسامة التحديات، فإن العلاج هو القفز إلى الأمام كما حدث في جنوب أفريقيا، وفي تشيلي، وفي أسبانيا، نحو انتخابات عامة حرة يستثنى من المشاركة فيها أحزاب النظام المخلوع، إلى حين أن تجري المراجعات والنقد الذاتي المطلوب، ليشارك من يشارك، بعد التخلية، في بناء الوطن”.
وعن العامل الخارجي، قال رئيس حزب الأمة القومي: “لإنجاح الفترة الانتقالية وحماية الوطن سوف نحرص على أن يتجاوز الأشقاء خلافاتهم ويشتركوا في مشروع مارشال لإنقاذ الاقتصاد السوداني”، واضاف بأنهم سيخاطبون “الأسرة الدولية لتطوير مشروع أصدقاء السودان إلى مؤتمر دولي خاص بالسودان بعنوان دافوس للسودان، لدعم السلام العادل الشامل في البلاد، ودعم التنمية الاقتصادية”.
ووجه المهدي “نداءً أخوياً للجميع” مفاده “الدكتاتورية لا تصلح في السودان، والخيار الوحيد الممكن في السودان هو النظام الديمقراطي، نعم المستفيد من تجارب الماضي، ولكن الذي يكفل خماسية حقوق الإنسان ورباعية ولاية الحكم”.
وتناول المهدي إلى جانب الموقف السياسي عدداً من موضوعات حددها في:
“1) مبررات الاحتفال بمولده.
2) لماذا صارت سيرته دليلاً على صحة رسالته؟
3) ما الذي جعل رسالته أكثر نظم الاعتقاد معقولية؟
4) ما هي حجية صلاحية الرسالة لتجاوز قومه وزمانه؟
5) ما هو محمول العصر الحديث وموقف الإسلام منه؟
6) ما هي التقدمية المؤصلة التي ندعو لها؟
7) الفكرويات المعاصرة، ما هو الموقف منها؟ (العلمانية- اللبرالية- الديمقراطية- الشيوعية- الفكر القومي العربي- الفكر الأفريقاني- الفكر الجمهوري- الفكر الشيعي- الدعوة المهدية).
وقال: “إن الاحتفال بذكرى ميلاد لرسول صلى الله عليه وسلم يدخل في باب ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ )، فإذا دخلت في الاحتفال تجاوزات فهي مما تدخل في باب (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )”، داعياً: “أيها المتسائل تعال شاهد احتفال هيئة شؤون الأنصار بالمولد، ستجد الطيبات المقنعة إن شاء الله”
وأجاب المهدي عن سؤال: لماذا صارت سيرته دليلاً على صحة رسالته؟ ومن إجاباته: “كانت سيرة حياته في وضح التاريخ، فلا مجال للدس فيها، وهذا لا ينطبق على سيرة الأنبياء الآخرين…صفات الرسل اتخذت معالم غير بشرية، لكنه كان بشراً مثلنا، مما يجعل سيرته قدوة للبشرية… حجة رسالته صالحة لتجاوز خطابها قومه وتجاوزها لزمانه”.
وتساءل إمام الأنصار: “ما الذي جعل رسالته أكثر نظم الاعتقاد معقولية؟”، فأجاب: “إنها جعلت موقف الملل الكتابية فيما يتعلق برسالة الغيب واحدة تقوم على التوحيد، والنبوة، والمعاد، ومكارم الأخلاق”.
وعن حجة صلاحية الرسالة لتجاوز قومه وزمانه؟ قال المهدي: “البشرية كلها مكرمة، ولا شرط عرقي كما في اليهودية، ولا شرط حدثي كما في المسيحية واشتراط الإيمان بالفداء للنجاة، وفيما يتعلق بالغيبيات، فملة التنزيل واحدة، وفيما يتعلق بالمعاملات فضمن حقوق للإنسان تقوم على خمسة مباديء هي: الحرية، والعدالة، والمساواة، والسلام”.
وعن محمول العصر الحديث وموقف الإسلام منه، قال: “الإسلام يدعو لنظام عالمي لا يقوم شرطاً على وحدة الملة، بل على أساس المعاهدة”.
وطرح المهدي سؤالاً عن التقدمية المؤصلة التي يدعو إليها؟ فأجاب قوله: طمن مانفستو التقدمية المؤصلة إطلاق نداءات العصر الثلاثة: فنداء المهتدين لجمع الصف الإسلامي، وهو الآن يدعو لتعايش سني شيعي، ولوقف حرب اليمن والحروب الأخرى، ولصلح في مجلس التعاون الخليجي، ولمعاهدة أمن وتعايش وعدم التدخل في الشؤون الداخلية عربية، تركية، إيرانية، ونداء الإيمانيين للتعايش بين العقائد الدينية، ونداء توافق الحضارات الإنسانية”.
وطرح الصادق المهدي سؤالاً عما أسماه “الفكرويات المعاصرة” في محيطنا وما موقف التقدمية المؤصلة منها؟ فأجاب بأنها عشرة، وهي: “العلمانية- اللبرالية، الديمقراطية، الشيوعية، الجمهورية، القومية العربية، والأفريقانية، والشيعية، والمهدية”
ومن إجابته عن هذا السؤال أن “العلمانية فتحت باباً واسعاً للتعصب، بحيث كانت أفظع النظم بطشاً في التاريخ نظماً علمانية كالنازية والستالينية، وأن العلمانية المعتدلة التي لا تحكم على الغيبيات مقبولة كمنظومة فكرية معتدلة”.
وأوضح أن “اللبرالية المطلقة باطلة، ولكن اللبرالية المرشدة حميدة”، و”أن الديمقراطية هي كالشورى ولكن الشورى مقيدة بأحكام الشرع. لا توجد ديمقراطية غير مقيدة بدساتير”، “وأن النظام الديمقراطي لا يمنع أية تطلعات ذات مرجعية عقدية أو فكرية ما دام أصحابها يلتزمون بحقوق الإنسان للكافة، وبالمساواة في المواطنة، وبقرار الأغلبية عبر انتخابات حرة”، “وأن الشيوعية تجاوزها الزمن بحيث صارت الآن في الصين وفي فيتنام، ولدى الأحزاب الأوربية معدلة تماماً، كما أن الرأسمالية نفسها عدلت من نظامها.. وأن الحزب الشيوعي في السودان حزب سلفية شيوعية متخلف عن الأحزاب الشيوعية في العالم”، و”أن الإسلام برسالته الواحدة قابل لاستصحاب تطورات الفكرر الإنساني الإيجابية، كما أنه التصوف الإسلامي قابل لدرجة عالية من القربى لله”.
يرى المهدي أن “مقولات الجمهوريين لن تجد استجابة في التربة الإسلامية.”، وأكد أنه لا يوجد عقاب دنيوي على الردة، لذلك فإن إعدام الأستاذ محمود محمد طه في يناير 1985م باطل.
وأوضح المهدي أنه بخصوص القومية العربية، قال للأستاذ ميشيل عفلق في عام 1988م “إن للبعث العربي مجالاً في المشرق العربي إذ يمثل قاسماً مشتركاً بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين، ولكن هذه الدعوة في السودان تفرق بين الناس، لأن في السودان مكونات ثقافية أخرى زنجية، وبجاوية، ونوبية، ونوباوية. وافقني على خصوصية وضع السودان، وقال إنه سوف يراجع الموقف، ولكنه توفي قبل ذلك”.
ودعا المهدي إلى أن تكون الأفريقانية “أساساً للاتحاد الأفريقي الشامل للقارة كلها شمال وجنوب الصحراء”، مستدركاً: “ولكن الدعوة لأفريقانية إثنية باطلة، فهناك إثنيات أفريقية كثيرة غير زنجية، وحضارة نوبية، أساس الحضارة الإنسانية، غير زنجية، وتقع شمال الصحراء، كذلك الأمازيغ، وغيرهم”.
ورأى المهدي أن “الشيعية كانت تلبية لمظلومية بني هاشم خاصة آل السيدة فاطمة رضي الله عنها”، مستدركاً: “ولكن تطور الاعتقاد الشيعي الاثنى عشري لاعتقاد أن الإمام الثاني عشر حتماً عائد، وأن الإيمان بالإمامة أساس الإيمان كالنبوة، فلا برهان له”، وداعياً إلى “جمع كلمة أهل القبلة على أساس الجامع بيننا، وهو: التوحيد، والنبوة، والمعاد، والأركان الخمسة، ومكارم الأخلاق”، ومؤكداً أن “الخلافات المذهبية تتطلب التعايش كما أفتى علماء الأزهر النابغين أمثال الشيخ شلتوت رحمه الله”.
وعن المهدي قال حفيد الإمام محمد أحمد المهدي “صار أمر المهدية محل خلاف كبير. هناك عشر مدارس حول المهدية. نحن طرف في هذه الخلافات، ونريد الاستقالة من التجاذب برؤية قد تندرج في تيار الإسلام العام، مفادها: أنه لا مجال لشخص غاب 14 قرناً أن يعود هو بذاته مهدياً لأن هذا ضد طبيعة الأشياء”.
وأوضح أن “مهدية الإمام محمد أحمد كما حققت مراجعها مهدية وظيفية، وظيفة تسندها أوامر قرآنية: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) ، وغيرها من الآيات. وعلى هذا الأساس الوظيفي لدعوة الإمام محمد المهدي كان تأييد علماء لها”، وقال” “نعم في الدعوة مقولة غيبية، ولكن صاحب الدعوة وضع مقياساً لقبول دعوته إن وافقت الكتاب والسنة، والإمام عبد الرحمن أحياها بصورة متجددة، وصار ما بقي من الدعوة صالحاً لخطاب التيار الصحوي الإسلامي”.